فلا يشمل اليقين الإجمالي لعدم تعلّقه بما تعلّق به اليقين الأوّل ، بل تعلّق بعنوان أحدهما » (١).
أقول : بل يمكن أن يقال : إنّ الذيل لا يراد منه إلاّنفس ما اريد من الصدر ، فهو توضيح وتفسير للصدر ، حيث إنّه يفهم من نفس الصدر بقرينة المقابلة.
وإن شئت قلت : كما أنّ الشكّ هنا تفصيلي فالعلم المقابل له أيضاً تفصيلي فالعلم الإجمالي خارج عن نطاقه.
أضف إلى ذلك أنّه يمكن أن يقال : بإنصراف أدلّة الاستصحاب عن موارد العلم الإجمالي ، فهى مختصّة بموارد الشكّ البدوي الخالص فإنّ الشكّ في أطراف العلم الإجمال ليس شكّاً خالصاً بل شكّاً مشوب بالعلم.
واستدلّ المحقّق النائيني للتفصيل بين الاصول المحرزة وغير المحرزة وجريان الثاني ( الاصول غير المحرزة ) في أطراف العلم الإجمالي دون الأوّل بأنّ المجعول في الاصول المحرزة ( كالاستصحاب وقاعدة الفراغ والتجاوز وأصالة الصحّة ) هو البناء العملي على ثبوت الواقع في أحد طرفي الشكّ وتنزيله عملاً منزلة الواقع ، ولا يخفى أنّ التعبّد ببقاء الواقع في كلّ واحد من أطراف العلم الإجمالي ينافي العلم الوجداني بعدم بقاء الواقع في أحدها ، وكيف يعقل الحكم ببقاء النجاسة مثلاً في كلّ واحد من الإنائين مع العلم بطهارة أحدهما؟ ومجرّد أنّه لا يلزم من الاستصحابين مخالفة عملية لا يقتضي صحّة التعبّد ببقاء النجاسة في كلّ منهما فإنّ الجمع في التعبّد ببقاء مؤدّى الاستصحابين ينافي ويناقض العلم الوجداني بالخلاف ، وهذا بخلاف الاصول غير المحرزة فإنّه لمّا كان المجعول فيها مجرّد تطبيق العمل على أحد طرفي الشكّ فلا مانع من التعبّد بها في أطراف العلم الإجمالي إذا لم يلزم منها مخالفة عملية (٢).
ويرد عليه أوّلاً ما مرّ كراراً من أنّا لا نقبل تقسيم الاصول إلى المحرزة وغير المحرزة ولا نفهم له معنىً محصّلاً ، فإنّ مفاد الدليل إذا كان هو التنزيل منزلة الواقع فهو أمارة ( سواء أخذ الشكّ ظاهراً في موضوعه أم لم يؤخذ ) وإن لم يكن مفاده كذلك فهو أصل عملي.
وثانياً : سلّمنا ، ولكن المقتضي وهو إطلاقات أدلّة الاستصحاب تامّ في كلا القسمين إذ إنّ المفروض عنده أنّ اليقين في الاستصحاب يقين تعبّدي لا حقيقي ، واليقين التعبّدي بكلا طرفي
__________________
(١) مصباح الاصول : ج ٣ ، ص ٢٥٩ ، طبعة مطبعة النجف.
(٢) راجع فوائد الاصول : ج ٤ ، ص ٦٩٢ و ٦٩٣.