حدّثتك بحديث أو أفتيتك بفتيا ثمّ جئتني بعد ذلك فسألتني عنه فأخبرتك بخلاف ما كنت أخبرتك أو أفتيتك بخلاف ذلك بأيّهما كنت تأخذ؟ قلت : بأحدثهما وأدع الآخر. فقال : قد أصبت يا أبا عمرو أبى الله إلاّ أن يعبد سرّاً أما والله لئن فعلتم ذلك إنّه لخير لي ولكم أبى الله عزّوجلّ لنا في دينه إلاّ التقيّة » (١).
ولكن لا يخفى أنّ مورد هذه الرواية هو التقيّة ، ولا إشكال في أنّ المعتبر في هذا المقام إنّما هو آخر ما يصدر من صاحب التقيّة فإنّها على قسمين : تقيّة القائل ، وهى ما إذا كان الإمام عليهالسلام في شرائط خاصّة تقتضي بيان الحكم على خلاف الواقع ، وتقيّة السائل وهى ما إذا كان للمسائل ظروف وشرائط خاصّة كذلك فإنّ الإمام عليهالسلام كالطبيب ينظر إلى حاجة المأمورين في الظروف المختلفة من لزوم التقيّة أو رفضها ، ومن الواضح أنّ الميزان في تعيين الحكم والوظيفة العمليّة إنّما هو ما مرّ عليه في الحال من الشرائط الجديدة ، ولازمه لزوم الأخذ بأحدث الخبرين.
بل يمكن أن يقال : إنّ هذه الرواية وكذلك ما ورد في ذيل الرواية السابقة ( وهو قوله عليهالسلام : « والله لا ندخلكم إلاّفيما يسعكم » ) الظاهر في مقام التقيّة أيضاً يرفع النقاب عن وجه هذه الطائفة من الروايات بأجمعها ، ويبيّن لنا جهة صدورها وأنّها غير قابلة الإعتماد من هذه الجهة وتكون خارجة عن محلّ النزاع.
وممّا يؤيّد هذا المعنى ( أي خروجها عن محلّ النزاع ) يقين السائل فيها بأصل الصدور وأصل مجيء الحديث عن جانب الإمام عليهالسلام وإنّما الكلام في جهة الصدور بينما محلّ البحث هو ما إذا كان الصدور ظنّياً ، هذا كلّه أوّلاً.
وثانياً : سلّمنا كون الأحدثية ميزاناً في الأخذ بأحد الخبرين ، ولكن غايتها أنّها إحدى المرجّحات ، فلا دلالة لهذه الروايات على صورة فقدان هذا المرجّح ، فتكون أخصّ من المدّعى.
وثالثاً : أنّها محمولة على عصر الحضور بقرينة ما ورد في رواية معلّى بن خنيس « خذوا به حتّى يبلغكم عن الحي ».
__________________
(١) وسائل الشيعة : الباب ٩ ، من أبواب صفات القاضي ، ح ١٧.