ولكن قد يقال : لابدّ من ردّ علم هذه الروايات إلى أهلها لأنّه كما جاز أن يكون الأوّل للتقية والثاني لبيان حكم الله الواقعي جاز بالعكس أيضاً ، فلا يمكن العمل بالرواية على كلّ حال ، ولذا لم يعمل بها أحد من الأصحاب.
ولكن الإنصاف أنّ معنى هذه الطائفة معلومة معقولة ، فإنّ المراد منها هو الأخذ بالأحدث لمن كان معاصراً له فإنّ هذا هو حكمه الشرعي في ذلك الزمان سواء كان تقيّة أو ابطال تقية سابقة.
أمّا الطائفة الخامسة : فهى ذيل مقبولة ابن حنظلة حيث قال : إذا كان ذلك ( أي كان الخبران متساويين في المرجّحات السابقة ) فارجئه حتّى تلقى إمامك فإنّ الوقوف عند الشبهات خير من الإقتحام في الهلكات » (١). وذيل رواية الميثمي عن الرضا عليهالسلام حيث قال : « وما لم تجدوه في شيء من هذه الوجوه فردّوا إلينا علمه » (٢).
ومن الواضح أنّ هذه الطائفة مختصّة بزمن الحضور وإمكان الوصول إلى الحجّة عليهالسلام.
فظهر من جميع ما ذكرنا أنّ الطريق الصحيح في المقام إنّما هو ما ذهب إليه المشهور وهو التخيير.
بقي هنا امور :
الأمر الأوّل : في أنّه هل الحكم بالتخيير في الخبرين المتعارضين تعبّد محض فيكون حكماً مخالفاً للقاعدة ، أو أنّه كاشف بالدلالة الالتزاميّة عن أنّ الصحيح من بين المباني الخمسة السابقة هو مبنى السببيّة السلوكيّة ( التي ليست من قبيل التصويب الباطل ) فيكون حكماً مطابقاً للقاعدة ، أو أنّ المبنى الصحيح هو الطريقيّة ، ولكنّه أيضاً مطابق للقاعدة لخصوصيّة في المقام؟ وجوه.
وجه الاحتمال الأوّل : ما مرّ سابقاً من أنّ القاعدة تقتضي التعارض فيكون الحكم بالتخيير تعبّداً محضاً وحكماً مخالفاً للقاعدة.
وجه الاحتمال الثاني : ما ورد في بعض الروايات من التعبير بـ « أيّهما أخذت من باب
__________________
(١) وسائل الشيعة : الباب ٩ ، من أبواب صفات القاضي ، ح ١.
(٢) المصدر السابق : ح ٢١.