الأمر الثالث : في أنّ التخيير في المقام هل يكون في المسألة الاصوليّة ، أو في المسألة الفقهيّة؟ وبعبارة اخرى : هل التخيير يكون للمجتهد فقط في اختيار الأدلّة ، أو له وللمقلّد في العمل؟
قال شيخنا الأعظم الأنصاري رحمهالله : « المحكي عن جماعة بل قيل أنّه ممّا لا خلاف فيه أنّ التعادل إن وقع للمجتهد في عمل نفسه كان مخيّراً في عمل نفسه ، وإن وقع للمفتي لأجل الإفتاء فحكمه أن يخيّر المستفتي فيتخيّر في العمل كالمفتي ... ( إلى أن قال ) : ويحتمل أن يكون التخيير للمفتي فيفتي بما اختار ... ( إلى أن قال ) والمسألة بعد محتاجة إلى التأمّل وإن كان وجه المشهور أقوى » انتهى.
واستدلّ لقول المشهور أي القول الأوّل بوجهين :
الأوّل : أنّ خطابات الأمارات عامّة تشمل المجتهد والمقلّد ، إلاّ أنّ المقلّد عاجز عن القيام بشروط العمل بالأدلّة من حيث تشخيص مقتضاها ودفع موانعها ، فإذا ثبت للمجتهد جواز العمل بكلّ من الخبرين المتكافئين المشترك بين المقلّد والمجتهد تخيّر المقلّد كالمجتهد.
الثاني : إنّ إيجاب مضمون أحد الخبرين على المقلّد تعييناً لا دليل عليه ، فهو تشريع محرّم.
واستدلّ للقول الثاني أوّلاً : بما ورد في مرفوعة زرارة قلت : « إنّهما معاً موافقان للاحتياط ومخالفان فكيف أصنع؟ فقال عليهالسلام : إذن فتخيّر أحدهما فتأخذ به وتدع الآخر » حيث إنّه وارد بعد اعمال المرجّحات ولا إشكال في أنّه من عمل المجتهد لا المقلّد مضافاً إلى أنّ قوله : « فتخيّر أحدهما فتأخذ به وتدع الآخر » كالصريح في اختيار أحد الحجّتين ورفض الآخر ، وليس ذلك إلاّ للمجتهد.
وبعبارة اخرى : لم يخيّره الإمام بين مضمون الخبرين بل أمره بالأخذ بأحد الدليلين تخييراً.
وثانياً : بأنّ التخيير حكم للمتحيّر والمتحيّر ، إنّما هو المجتهد لا المقلّد.
أقول : الأولى في المقام ملاحظة روايات التخيير ، ولا إشكال في أنّها ظاهرة فيما ذهب إليه المشهور فإنّ من جملتها ما رواه سماعة عن أبي عبدالله عليهالسلام « قال : سألته عن رجل اختلف عليه رجلان من أهل دينه في أمر كلاهما يرويه ، أحدهما يأمر بأخذه والآخر ينهاه عنه كيف