إن قلت : لازم هذا البيان عدم صدق الاجتهاد والاستنباط على اجتهاد زنديق يكون من فحول علماء علم الاصول ( فرضاً ) وعالماً في سائر مباني الاستنباط ، وهو كما ترى.
قلنا : يعتبر في صدق الاجتهاد تحصيل العلم بالحجّة ، وهو لا يحصل لمثل هذا المفروض ، وبما أنّه فرض غير واقعي لا ينبغي البحث فيه أكثر من هذا.
وأمّا علم اصول الفقه ، فلزومه وشدّة الحاجة إليه في الاستنباط من القضايا قياساتها معها ، كما يلوح به تعريف علم الاصول بأنّه هو العلم بقواعد تقع في طريق الاستنباط.
إن قلت : فما دعوى الأخباريين في مقابل الاصوليين وعدّ بعضهم إيّاه من البدعة في الدين؟
قلنا : لا إشكال في أنّ قسماً من النزاع بين الطائفتين لفظي ، لأنّ المحدّث الاسترابادي نفسه مثلاً محتاج أيضاً في إثبات الأحكام الشرعيّة إلى حجّية خبر الواحد وحجّية ظواهر الألفاظ ، وإلى ملاحظة إمكان الجمع الدلالي ، ثمّ العلاج السندي عند تعارض الأدلّة ، وإلى الرجوع إلى الاصول العمليّة عند فقدان النصّ ( ولو كان الأصل عنده خصوص أصالة الاحتياط ) ولا يخفى أنّ هذه المسائل من أهمّ مسائل علم الاصول.
ويشهد عليه ملاحظة ما بحث عنه صاحب الحدائق ( وهو من المحدّثين المعروفين ) في مقدّمات الحدائق ، وهى إثنتا عشرة مقدّمة في ١٧٠ صفحة ، ومن تلك المقدّمات حجّية خبر الواحد ( وهو المقدّمة الثانية ) ومنها مدارك الأحكام الشرعيّة ، ومن جملتها حجّية ظواهر الكتاب والإجماع وأصالة العدم وأصالة البراءة في الشبهات الوجوبيّة ومقدّمة الواجب ، ومسألة أنّ الأمر بالشيء مستلزم للنهي عن ضدّه أم لا؟ وقياس الأولوية ، وقياس منصوص العلّة ( وهذه كلّها هى المقدّمة الثالثة ) ومنها التعارض بين الأدلّة ( وهو المقدّمة السادسة ) ومنها مسألة أنّ مدلول الأمر والنهي هل هو الوجوب والتحريم أو لا؟ ( وهو المقدّمة السابعة ) ومنها ثبوت الحقيقة الشرعيّة وعدمه ( المقدّمة الثامنة ) ومنها معنى المشتقّ ( المقدّمة التاسعة ) ومنها حجّية دليل العقل وعدمها ( المقدّمة العاشرة ) وقد ذكر في المقدّمة الحادية عشرة جملة من القواعد الفقهيّة فراجع.
فلا ريب في أنّ البحث والنزاع بين الطائفتين في هذا القسم من الاصولي لفظي.