المرضيّة ، فإنّه قد جرّد لسان التشنيع على الأصحاب وأسهب في ذلك أي إسهاب ، وأكثر من التعصّبات التي لا تليق بمثله من العلماء الأطياب ، وهو وإن أصاب الصواب في جملة من المسائل التي ذكرها في ذلك الكتاب ، إلاّ أنّها لا تخرج عمّا ذكرنا من سائر الاختلافات ودخولها فيما ذكرنا من التوجيهات ، وكان الأنسب بمثله حملهم على محامل السداد والرشاد ، إن لم يجد ما يدفع به عن كلامهم الفساد ، فإنّهم رضوان الله عليهم لم يألوا جهداً في إقامة الدين وإحياء سنّة سيّد المرسلين صلىاللهعليهوآله ، ولا سيّما آية الله العلاّمة رحمهالله الذي قد أكثر من الطعن عليه والملامة ، فإنّه بما ألزم به علماء الخصوم والمخالفين من الحجج القاطعة والبراهين حتّى آمن بسببه الجمّ الغفير ، ودخل في هذا الدين الكبير والصغير والشريف والحقير ، وصنّف من الكتب المشتملة على غوامض التحقيقات ودقائق التدقيقات ، حتّى أنّ من تأخّر عنه لم يلتقط إلاّمن درر نثاره ، ولم يغترف إلاّمن زاخر بحاره ، قد صار له من اليد العليا عليه وعلى غيره من علماء الفرقة الناجية ما يستحقّ به الثناء الجميل ومزيد التعظيم والتبجيل لا الذمّ والنسبة إلى تخريب الدين ، كما اجترأ به قلمه عليه رحمهالله وعلى غيره من المجتهدين » (١) ( انتهى ).
وأمّا علم الفقه نفسه ، أي ممارسة الفقه فقد يتوهّم أنّه لا معنى لكونه من مباني الاجتهاد من باب أنّه يكون غاية لغيره وذا المقدّمة بالنسبة إلى سائره ، ولكن قد مرّ كراراً أنّ ملكة الاجتهاد لا تتحقّق إلاّبالتمرين والممارسة في الفقه كما في غالب العلوم ، وهى تحصل أوّلاً : بتطبيق الاصول على الفروع ، وثانياً : بردّ الفروع إلى الاصول ، فإذا سئل عنه مثلاً عن رجل صلّى الظهرين وهو يعلم إجمالاً بأنّه كان في أحدهما فاقداً للطهارة ، فليعلم أنّه هل يجب عليه الاحتياط فيكون المورد من موارد تطبيق قاعدة الاحتياط ، أو أنّه من موارد تطبيق قاعدة ٦٥٦٥ الفراغ؟ وأنّه هل يكون الترتيب بين الظهر والعصر ترتيباً واقعيّاً ، أو لا؟ فيكفي إتيان صلاة رباعية بقصد ما في الذمّة ، أو سئل عمن صار مستطيعاً وقد استُؤجر سابقاً لمناسك الحجّ فهل يبطل عقد الإجارة أو لا؟ من باب عدم كونه مستطيعاً شرعاً والممنوع شرعاً كالممنوع عقلاً ، وهكذا ... إلى سائر الفروعات والمسائل.
وأمّا علم المنطق ، فقد يقع الشكّ في الحاجة إليه ، لأنّ المقدار اللازم منه أمر فطري لكلّ
__________________
(١) الحدائق الناضرة : ج ١ ص ١٦٧ ـ ١٧٠.