هذا مضافاً إلى ما قد مرّ سابقاً من وجوب الاقتصار على المرجّحات المنصوصة ( وليس هذا منها ).
نعم ، هيهنا أبحاث من علم المعاني والبيان كمسألة تقديم ما حقّه التأخير ، وأبواب المجاز والحقيقة والكنايات والاستعارات ، يكون لها دخل في فهم الأحكام عن الأدلّة اللفظيّة ، ولكنّها مسائل يبحث عنها في علم الاصول أيضاً ، وأمّا غيرها من سائر مسائل هذا العلم فلا أثر لها في الاستنباط ، نعم قد يقال : إنّ لها أثراً مع الواسطة من حيث دخلها في تبيين كون كتاب الله معجزة خالدة.
بقي هنا أمران :
الأوّل : لا شكّ في أنّ القواعد الفقهيّة لها دور عظيم في استنباط الأحكام الفرعيّة ، ولعلّ عدم ذكرها في العلوم التي يبتني عليها الاستنباط من باب عدّهم إيّاها من الفقه نفسه ، ولكن قد ذكرنا في محلّه أنّها علم برأسه وليست من اصول الفقه ، كما أنّها ليست من الفقه نفسه فراجع (١).
الثاني : لا ينبغي الشكّ في أنّ للزمان والمكان دخلاً في الاجتهاد.
وتوضيحه : أنّ لكلّ حكم موضوعاً ، والمعروف في الألسنة أنّ تشخيص الموضوع ليس من شؤون الفقيه ، ولكن الصحيح أنّه لا يمكن للفقيه تجريد الذهن وتفكيك الخاطر عنه ، فإنّ لموضوعات الأحكام مصاديق معقّدة غامضة لا يقدر العوام على تشخيصها ، بل لابدّ للفقيه تفسيرها وتبيين حدودها وخصوصياتها ، كما يشهد على ذلك أنّ كثيراً من الفروعات المعنونة في الكتب الفقهيّة ( كالمبسوط للشيخ ، والقواعد للعلاّمة ، والعروة الوثقى للسيّد اليزدي رحمهمالله ) هى من هذا القبيل.
وإن شئت قلت : إن كان المراد من الموضوع في المقام هو الموضوعات الجزئيّة ، أي مصاديق الموضوعات الكلّية للأحكام ، كمصاديق الدم والخمر والماء المطلق والمضاف
__________________
(١) راجع مقدّمة المجلّد الأوّل من القواعد الفقهيّة.