تكرم الفسّاق منهم » بالنسبة إلى دليل « أكرم العلماء » كذلك يمكن تقييد بعض المصاديق كما إذا قيل : « لا تكرم الفسّاق من النحويين ».
وأمّا الإيراد الثاني : فلأنّ قوله تعالى : ( إِنْ كُنتُمْ لَاتَعْلَمُونَ ) هو في مقام بيان الموضوع ، أي تقول الآية : « اسأل عند عدم العلم حتّى تكون لك الحجّة » كما إذا قيل : « إن كنت لا تعلم دواء داءك فارجع إلى الطبيب » فليس معناه أنّ قول الطبيب يوجب العلم دائماً.
وبعبارة اخرى : قوله تعالى : ( إِنْ كُنتُمْ لَاتَعْلَمُونَ ) ليس من قبيل بيان الغاية حتّى يورد عليها بما ذكر.
وبعبارة ثالثة : تارةً يكون العلم موضوعاً واخرى يكون غايةً ، وما نحن فيه من قبيل الأوّل ، فهى تقول : إنّ الموضوع للرجوع إلى البيّنة أو القسم أو الموضوع للرجوع إلى الخبرة إنّما هو الجهل ، وهذا لا يعني حصول العلم بعد الرجوع.
سلّمنا كونه غاية ، لكن ليس المراد من العلم في المقام اليقين الفلسفي كما مرّ كراراً بل المراد منه هو العلم العرفي الذي يحصل من ناحية إقامة أيّة حجّة ، فإنّ العرف والعقلاء يعبّرون بالعلم في كلّ مورد قامت فيه الحجّة.
هذا ـ ولكن الآيات الواردة في المسألة كبعض الروايات الواردة فيها التي سنشير إليها إمضاءً لما عند العقلاء من رجوع الجاهل إلى العالم ، نعم لا ضير فيها من هذه الجهة.
الأمر الثالث : الروايات الواردة في خصوص المقام ، وهى كثيرة إلى حدّ تغنينا عن البحث حول إسنادها.
منها : ما رواه أبو عبيدة قال : قال أبو جعفر عليهالسلام : « من أفتى الناس بغير علم ولا هدى من الله لعنته ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ولحقه وزر من عمل بفتياه » (١).
فهو يدلّ بمفهومه على جواز الإفتاء بعلم ، ولا ريب في أنّ المقصود من العلم فيه إنّما هو الحجّة.
منها : ما رواه عنوان البصري عن أبي عبدالله جعفر بن محمّد عليهماالسلام في حديث طويل يقول فيه : « سل العلماء ما جهلت وإيّاك أن تسألهم تعنّتاً وتجربة » (٢).
__________________
(١) وسائل الشيعة : الباب ٤ ، من أبواب صفات القاضي ، ح ١.
(٢) المصدر السابق : الباب ١٢ ، من أبواب صفات القاضي ، ح ٥٤.