فقد قال صاحب المدارك في كتابه في مبحث الوضوءات المستحبّة : وما يقال من أنّ أدلّة السنن يتسامح فيها بما لا يتسامح في غيرها فمنظور فيه لأنّ الاستحباب حكم شرعي يتوقّف على دليل شرعي.
وقال الصدوق رحمهالله في باب صلاة غدير خمّ : إنّ شيخنا لم يصحّح أخبار هذه الصّلاة فلا اعتبار بها ( بصلاة غدير خمّ ) عندنا.
فإنّه لو كان الإجماع قائماً على التسامح في أدلّة السنن لم يقل بهذا.
وثانياً : من ناحية إنّه محتمل المدرك والظاهر أنّ مدركه هو أخبار من بلغ.
فالعمدة في المقام إنّما هى الأخبار ، واستدلّ بها بأنّ ظاهرها ترتّب الثواب على العمل لا من باب التفضّل فقط بل من باب إنّ العمل يوجب الإستحقاق ، ففي حديث صفوان : « كان له أجر ذلك » ( المشار إليه هو العمل ) ، وكذلك في حديث هشام ( الذي مرّ إنّه من أهمّها ) : « كان أجر ذلك له » فقد اضيف الأجر في هذين الحديثين إلى العمل ، وهو ظاهر في كون العمل مأموراً به ولازمه الاستحباب النفسي.
وبعبارة اخرى : لا إشكال في أنّ هذه الأخبار تحرّضنا إلى العمل والتحريض إلى العمل دليل على كونه محبوباً ، والمحبوبية تدلّ على وجود الأمر.
هذا غاية البيان للاستدلال بهذه الأخبار على الاستحباب.
لكن أورد عليه بوجوه عديدة بعضها قابل للدفع :
١ ـ إنّ هذه الأخبار أخبار آحاد ، وقد ثبت في محلّه عدم حجّيتها بالنسبة إلى الاصول.
ويمكن الجواب عنه بأمرين : أحدهما : إنّ المسألة فقهيّة لا اصوليّة. ثانيهما : إنّه قد وقع الخلط بين اصول الفقه واصول الدين وما ذكر من عدم حجّية أخبار الآحاد إنّما هو بالنسبة إلى الثاني لا الأوّل.
لكنّ فيه : إنّ اصول الفقه أيضاً على المبنى المختار لا تثبت بخبر الواحد لأنّ عمدة الدليل على حجّيته إنّما هو بناء العقلاء ، وهم لا يقنعون به في المسائل الأساسية الاصوليّة فلا يكتفون به مثلاً في ما يسمّى اليوم بالدُستور ، وباللغة الفارسيّة « قانون أساسي » ولا ريب في اتّحاد القاعدة الفقهيّة مع القاعدة الاصوليّة في هذه الجهة ( أي الأهميّة والخطورة ).
اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ خبر الواحد في ما نحن فيه معتضد بعمل الأصحاب قديماً وحديثاً ،