إلّا عودي الناضح» (١). فربما يقال بأن الروايات مطبقة على التحريم من دون معارض وقد عمل بها المشهور فلا مناص إلّا من القول بالتحريم.
ولكن لا يمكن الالتزام بالتحريم ، إذ لو كانت الحرمة ثابتة لكان هذا الحكم من جملة الواضحات التي لا يشك فيه اثنان ، لكثرة الابتلاء والحاجة إلى قطع الأشجار لأن بقرب المدينة أشجاراً وزروعاً كثيرة بخلاف مكة ، فلو منع من القطع والاحتشاش لظهر وبان وللزم الحرج الشديد حتى ولو قلنا باستثناء ما استثني مما تقدم في حرم مكة ، خصوصاً بملاحظة ما ورد من المنع عن اختلاء خلاها كما في صحيح زرارة المتقدم (٢) المفسر بكل نبات رطب أو كل بقلة ، وكيف يمكن الحكم بحرمة ذلك مع شدّة الحاجة وكثرة الابتلاء بذلك ، فإن أهل المدينة يجلبون النباتات الرطبة كل يوم من مزارعهم وبساتينهم الواقعة في أطراف المدينة وفي قربها من دون أيّ رادع.
ثم إنه كيف يمكن القول بالحرمة مع عدم تعرض القدماء في متونهم الفقهية مع شدّة حرصهم (رضوان الله عليهم) لذكر المكروهات والسنن فضلاً عن المحرمات التي يبتلى بها كثيراً.
هذا كله مضافاً إلى موثقة يونس بن يعقوب «أنه قال لأبي عبد الله (عليه السلام) يحرم عليَّ في حرم رسول الله ما يحرم عليَّ في حرم الله؟ قال : لا» (٣) فان الظاهر أن النفي نفي لمطلق ما يترتب على حرم مكة ، إذ لو كان النفي مختصاً للصيد لكان ذلك من حمل الشيء على الفرد النادر جدّاً ، لأن الصيد بين حرتي المدينة نادر جدّاً ، فلا بدّ من إرادة نفي المنع من قطع الشجر والصيد ، فلا بد من حمل الروايات المانعة على الكراهة وضرب من الآداب والاحترام لحرم النبي (صلّى الله عليه وآله) ولكن مع ذلك كله
__________________
(١) الوسائل ١٤ : ٣٦٥ / أبواب المزار ب ١٧ ح ٥ ، ١ ، ١٢ : ٥٥٥ / أبواب تروك الإحرام ب ٨٧ ح ٤.
(٢) آنفاً.
(٣) الوسائل ١٤ : ٣٦٥ / أبواب المزار ب ١٧ ح ٨.