لا يوجبه (١) كما لا يخفى. نعم (٢) فيما كان الآمر بصدد البيان ، فقضية مقدمات الحكمة هو الحمل على الوجوب (٣) ، فإنّ الندب كأنّه يحتاج إلى مئونة بيان التحديد (٤) والتقييد بعدم المنع من الترك ، بخلاف الوجوب ، فإنّه لا تحديد
______________________________________________________
(١) أي : شدة الأُنس ، لِما مرّ آنفاً من عدم الملازمة بين الأكملية الثبوتية وبين الأكملية الإثباتية.
(٢) لمّا أبطل الوجوه الثلاثة المتقدمة سلك طريقاً آخر لاستظهار الوجوب من الصيغة ، وهو : أنّ مقدمات الحكمة تقتضي الوجوب ، لأنّ المتكلم في مقام البيان ، وإرادة الندب من مجرد الطلب المستفاد من الصيغة غير ممكنة ، لاحتياج إرادته إلى مزيد بيان وعدم كفاية نفس الطلب في ذلك ، حيث إنّ مميِّز الندب ـ وهو الترخيص في الترك ـ ليس من سنخ الطلب حتى يصح الاعتماد عليه في بيانه ، وهذا بخلاف الوجوب ، فإنّ مميِّزه وهو المنع من الترك من سنخ الطلب ، فيجوز للمتكلم الاتكال في بيانه على ما يدل على طبيعة الطلب من دون لزوم محذور إخلال بالغرض.
(٣) لما عرفت من أنّ فصل الوجوب ـ وهو المنع من الترك ـ يكون حقيقة نفس الطلب ، لأنّه عبارة أُخرى عن طلب عدم الترك الّذي هو عين طلب الفعل ، فإطلاق الطلب كافٍ في إرادة الوجوب.
(٤) لأنّ فصل الندب وهو الترخيص في الترك أمر زائد على الطلب ، فيحتاج إلى مزيد بيان.
وبالجملة : فالندب هو تحديد الطلب بأمر خارج عن حقيقته ، فلا يمكن الاتّكال في بيانه على ما يدل على نفس الطلب ، بخلاف الوجوب ، فإنّه لا تحديد فيه بما هو خارج عن حقيقته ، فلا مانع من الركون في بيانه إلى ما يدل على جامع الطلب وهو الصيغة.