قال : وكذلك (إنّ) وأخواتها بنيت على الفتح ولم تكسر على أصل التقاء الساكنين استثقالا للكسرة مع التضعيف أو الياء في (ليت) مع أن هذه الحروف كثيرة الاستعمال فلو كسرت لأدّى ذلك إلى كثرة استعمال الثقيل.
وقال ابن النحاس في (التعليقة) : إنما لزم إضمار الفعل في باب التحذير لكثرته في كلامهم كما ذكر سيبويه (١).
وقال الرماني : لأن التحذير مما يخاف منه وقوع المخوف ، فهو موضع إعجال لا يحتمل تطويل الكلام ، لئلا يقع المخوف بالمخاطب قبل تمام الكلام.
وقال ابن يعيش في (شرح المفصّل) (٢) : اعلم أن اللفظ إذا كثر في ألسنتهم واستعمالهم آثروا تخفيفه ، وعلى حسب تفاوت الكثرة يتفاوت التخفيف ، ولمّا كان القسم مما يكثر استعماله ويتكرر دوره بالغوا في تخفيفه من غير جهة ، فمن ذلك حذف فعل القسم نحو : بالله لأقومنّ ، أي : أحلف ، وربما حذفوا المقسم به واجتزوا بدلالة الفعل عليه نحو : أقسم لأفعلن ، والمعنى أقسم بالله ، ومن ذلك حذف الخبر من الجملة الابتدائية نحو : لعمرك ، وايمن الله ، وأمانة الله ، فهذه كلها مبتدآت محذوفة الأخبار ، ومن ذلك إبدال التاء من الواو نحو : (تَاللهِ تَفْتَؤُا) [يوسف : ٨٥] ومن ذلك قولهم : لعمر الله ، فالعمر البقاء والحياة ، وفيه لغات : عمر ـ بفتح العين وسكون الميم ، وبضمّ العين وسكون الميم ، وبضمّهما ، فإذا جئت إلى القسم لم تستعمل منه إلا المفتوح العين لأنّها أخفّ اللّغات الثلاث ، والقسم كثير فاختاروا له الأخف.
وقال أبو البقاء في (التبيين) : لاسم الله تعالى خصائص منها دخول (يا) عليه مع وجود اللام فيه ، ومنها : زيادة الميم في آخره نحو : (اللهم) ولا يجوز في غيره ، ومنها : دخول تاء القسم عليه نحو : تالله ، ومنها : التفخيم ، ومنها : الإبدال كقوله : ها الله ، وآلله وذلك لكثرة الاستعمال.
وقال أيضا : يجوز حذف حرف القسم في اسم الله من غير عوض ، ولا يجوز ذلك في غيره ووجهه أن الشيء إذا كثر كان حذفه كذكره ، لأن كثرته تجريه مجرى المذكور ، ولذلك جاز التغيير والحكاية في الأعلام دون غيرها ، وإنما سوغ ذلك الكثرة.
وقال ابن النحاس في (التعليقة) : إذا التقى ساكنان والثاني لام التعريف اختير
__________________
(١) انظر الكتاب (١ / ٣٣٠).
(٢) انظر شرح المفصّل (٩ / ٩٤).