فصابحهم وقد انتشروا بعد طلوع الشمس ، فوقع عليهم واستخلص السبي جميعه إلا اليسير منهم وأركب الضعفاء منهم خلف الخيالة ، حتى إنه أخذ بنفسه جماعة من الصبيان وأركبهم بين يديه ومن خلفه ووصل بهم إلى حلب ولم يبق من السبي إلا القليل ، ووصل بهم إلى حلب في يوم السبت الحادي عشر من شعبان فسر أهل حلب سرورا عظيما.
وكان أتابك قد رحل من حمص إلى حماة ثم رحل إلى سلمية ورحل ملك الروم إلى يلد معرة النعمان ، ورحل عنها يوم الاثنين ثالث عشر شعبان إلى جهة شيزر ونزلوا كفرطاب ورموها بالمجانيق فسلمها أهلها في نصف شعبان ، وهرب أهل الجسر وتركوه خاليا ، فوصله الروم وجلسوا فيه ورحلوا إلى شيزر يوم الخميس سادس عشر شعبان ، فوصلوها في مائة ألف راكب ومائة ألف راجل ومعهم من الكراع والسلاح ما لا يحصيه إلا الله ، فنزلوا الرابية المشرفة على بلدة شيزر وأقاموا يومهم ويوم الجمعة إلى آخر النهار ، وركبوا وهجموا البلد فقاتلهم الناس وجرح أبو المرهف نصر بن منقذ ومات في رمضان من جرحه ذلك ، ثم انهزم الروم وخرجوا ، ونزل صاحب أنطاكية في مسجد سمنون وجوسلين في المصلى ، وركب الملك يوم السبت وطلع إلى الجبل المقابل لقلعة شيزر المعروف بجريجس ونصب على القلعة ثمانية عشر منجنيقا وأربع لعب تمنع الناس من الماء ، ودام القتال عشرة أيام ولقي أهل قلعة شيزر بلاء عظيما ، ثم اقتصروا في القتال على المجانيق وأقاموا إلى يوم السبت تاسع عشر رمضان ، وبلغهم أن قرا أرسلان بن داود بن سكمان بن أرتق عبر الفرات في جموع عظيمة تزيد عن خمسين ألفا من التركمان وغيرهم ، فأحرقوا آلات الحصار ورحلوا عن شيزر وتركوا مجانيق عظاما رفعها أتابك إلى قلعة حلب بعد رحيلهم. وساروا بعد أن هجموا ربض شيزر دفعات عدة ويخرجهم المسلمون منها ، فوصل صلاح الدين من حماة يوم السبت تاسع الشهر وبلغه أن الفرنج هربوا من كفرطاب ، فسار إليها وملكها ، ووصل أتابك يوم الأحد عاشر الشهر وسار إلى الجسر يوم الاثنين فوجد الفرنج قد هربوا نصف الليل ونزل أهله من أبي قبيس ( هكذا ) فمنعوهم ، ودخل الروم مضيق أفامية إلى أنطاكية وطلبها من الفرنج فلم يعطوه إياها ، فرحل عنها إلى بلاده وسير أتابك خلفهم سرية من العسكر تتخطفهم ، هذا كله وأتابك لم يستحضر قرا أرسلان بن داود ولم يجتمع به ، بل بعث إليه يأمره بالعود إلى أبيه وأنه مستغن عنه. وانحاز عنهم فنزل أرض حمص