أذن معاوية بن أبي سفيان للناس يوما فكان فيمن دخل عليه فتى من بني عذرة ، فلما أخذ الناس مجالسهم ، قام الفتى العذري بين السماطين ثم أنشأ يقول :
معاوي يا ذا الفضل والحلم والعقل |
|
وذا البر والإحسان والجود والبذل |
أتيتك لما ضاق في الأرض مذهبي |
|
وأنكرت مما قد أصبت به عقلي |
ففرج ـ كلاك الله ـ عني فإنني |
|
لقيت الذي لم يلقه أحد قبلي |
وخذ لي ـ هداك الله ـ حقي من الذي |
|
رماني بسهم كان أهونه قتلي |
وكنت أرجي عدله إذ أتيته |
|
فأكثر تردادي مع الحبس (١) والكبل (٢) |
فطلقتها من جهد ما قد أصابني |
|
فهذا أمير المؤمنين من العدل |
فقال معاوية : بارك الله عليك ، ما خطبك؟ فقال : أطال الله بقاء أمير المؤمنين ، إنني رجل من بني عذرة تزوجت ابنة عم لي ، وكانت لي صرمة (٣) من إبل وشويهات فأنفقت ذلك عليها ، فلما أصابتني نائبة الزمان رغب عني أبوها. وكانت جارية فيها (٤) الحياء والكرم فكرهت مخالفة أبيها ، فأتيت عاملك ابن أم الحكم فذكرت ذلك له ، وبلغه جمالها ، فأعطى أباها عشرة آلاف درهم ، وتزوجها ، وأخذني فحبسني وضيّق عليّ ، فلما أصابني مسّ الحديد وألم العذاب طلقتها ، وقد أتيتك يا أمير المؤمنين وأنت غيث المحروب ، وسند المسلوب ، فهل من فرج؟ ثم بكى وقال في بكائه :
في القلب مني نار |
|
والنار فيها شنار |
وفي فؤادي جمر |
|
والجمر فيه شرار |
والجسم مني نحيل |
|
واللون فيه اصفرار |
والعين تبكي بشجو |
|
فدمعها مدرار |
والحب داء عسير |
|
فيه الطبيب يحار |
حملت منه عظيما |
|
فما عليه اصطبار |
فليس ليلي ليلا |
|
ولا نهاري نهار |
__________________
(١) بالأصل : «الجيش» والمثبت عن مختصر ابن منظور.
(٢) الكبل : قيد ضخم.
(٣) الصرمة من الإبل : القطعة الخفيفة منها.
(٤) بالأصل : منها.