نزلناه قدمنا أمرنا وأخذنا في شأننا (١) ، وكنت اخترت من رهبانيته لعشرتنا من توسمت فيه رقة الطبع وسماحة الأخلاق ، حسب ما جرى الرسم به في غشيان (٢) الاعمار وطروق الدّيرة من التطرف بعشرة أهلها والأنسة بسكانها فانصرفت في نظرة إلى بعض الرهبان فوجدته إلى خطابه متوثبا ولنظري إليه مترقبا فلمّا أخذته عيني أكب يزعجني بخفي الغمز ووحي الإيماء ، فاستوحشت لذلك وأنكرته ونهضت عجلا واستحضرته فأخرج إليّ رقعة مختومة وقال لي : قد سقط فرض الأمانة مما تضمنته هذه الرقعة وونى وسقط ذمام كاتبها في سترها بك عني ، ففضضتها ، فإذا فيها بأحسن خط وأملحه وأقواه وأوضحه :
بسم الله الرحمن الرحيم.
لم أزل فيما تؤديه هذه المخاطبة يا مولاي : بين حزم يحث على الانقباض عنك ، وحسن ظن يحض (٣) على التجاور (٤) عن نفيس الحظ منك إلى أن استنزلتني الرغبة على حكم الثقة بك من غير خبرة ، فرفعت بيني وبينك سجف الحشمة ، فأطعت بالانبساط أوامر الأنسة ، وانتهزت في التوصل إلى مودتك فائت الفرصة ، والمستماح منك ـ جعلني الله فداك ـ زوره ارتجع ما اغتصبته الأيام من المسرة مهنأة بالانفراد إلّا من غلامك [الذي هو مادة مسرتك](٥) :
وما ذاك عن خلق يضيق بطارق |
|
ولكن لأخذي باجتناب العوائق |
فإن صادف ما خطبته منك ـ أيدك الله ـ قبولا ، ولديك نفاقا ، فمنّة غفل الدهر عنها ، وفارق مذهبه بما أهداه إلي منها ، وإن جرى على رسمه في المضايقة فيما أوثره وأهواه وأترقبه من قربك وأترجاه ، فذمام المروءة يلزمك رد هذه الوقعة وسترها وتناسيها واطراح ذكرها إن شاء الله وإذا بأبيات تتلو الخطاب وهي :
هل لك في صاحب تناسب بال |
|
غربة أخلاقه وبالأدب |
أوحشه القرب (٦) فاستراح إلى |
|
قربك مستنصرا على النوب |
__________________
(١) رسمها بالأصل : «؟؟؟ ا؟؟؟ ا» والمثبت عن يتيمة الدهر.
(٢) كذا بالأصل : «غسان» والمثبت : «غشيان» عن يتيمة الدهر.
(٣) بالأصل : «؟؟؟ حطر» والمثبت عن يتيمة الدهر.
(٤) في يتيمة الدهر : التسامح.
(٥) زيادة عن يتيمة الدهر.
(٦) في يتيمة الدهر : أوحشه الدهر.