فإن تقبلت ما حباك به |
|
لم تشن الظن فيك بالكذب |
وإن أبى الدهر دون بغيتنا (١) |
|
فكن كمن لم يقل ولم يجب |
قال [أبو الفرج :] فورد عليّ ما [حيرني](٢) وتحصل لي في الجملة أن أغلب الأوصاف على صاحبها الكتابة خطا ونظما ونثرا ، فشاهدت بالفراسة من ألفاظه ، وخبرت أخلاقه قبل الخبرة من رقعته ، وقلت للراهب : ويحك من هذا؟ وكيف السبيل إليه؟ فقال : أما ذكر حاله فإليه إذا اجتمعنا ، وأما السبيل إلى لقائه فمتسهل إن شئت (٣) ، قلت : دلني ، قال : وتتصيد عذرا تفارق أصحابك منصرفا ، فإذا حصلت بظاهر الدير عدلت بك إلى باب خفي تدخل منه ، فرددت الرقعة عليه ، وقلت : ارفعها إليه ليتأكد أنسه لي ، وسكونه إلي ، وعرفه أن التوفر على إعمال الحيلة في المصير إلى حضرته على ما أوثره أولى من التشاغل بإصدار جواب ، أو قطع وقت بمكاتبته ، ومضى الراهب ، وعدت إلى أصحابي بغير النشاط الذي ذهبت به ، وأنكروا ذلك ، فاعتذرت إليهم بشيء عرض لي ، واستدعيت ما أركبه ، وتقدمت إلى من كان معي ممن يخدم بالتوفر على خدمتهم ، وقد كنا عملنا على المبيت ، فاجتمعوا على تعجل الانصراف ، وخرجت من باب الدير ، ومعي صبي مملوك كنت آنس بخدمته ، وتقدمت إلى الشاكري برد الدابة ، وستر خبري ومباكرتي ، وتلقاني الراهب ، فعدل بي إلى الطريق الضيق الذي وصفه ، وأدخلني إلى الدير من باب غامض ، وصار لي إلى باب قلاية (٤) متميز عما يجاوره من الأبواب نظافة وحسنا ، فقرعه بحركات مختلفات كالعلامة ، فابتدرنا منه غلام وتلوته (٥) ، والراهب إلى صحن القلاية ، فإذا أنا إلى بيت فضي الحيطان ، رخامي الأركان ، حلوقي الجدران ، يضمن طارقه خيش ريح تظاهر بخيش يمده بالماء من كثافته ، مفروش بحصر مستعملة له ، وفي صدره مقعد سامان (٦) مقرون في دقة الدبيقي وبياضه وسامد (٧) ما تجاوره
__________________
(١) في يتيمة الدهر : رغبتنا.
(٢) زيادة للإيضاح عن يتيمة الدهر.
(٣) تقرأ بالأصل : جئته.
(٤) القلاية : كالصومعة.
(٥) كذا ، ويبدو أن في الكلام سقطا ، وتمام العبارة في المختصر ويتيمة الدهر : فابتدرنا منه غلام ، كأن الشمس تشرق من غرته ، والليل في أصداغه وطرته ، بغلاله تنم على ما تستره ، فبهر عقلي ، واستوقف نظري ، ثم أجفل كالظبي المذعور ، وتلوته والراهب ...
(٦) كذا.
(٧) كذا.