ابن الحسن ، نا الحسن بن علي القطان ، نا إسماعيل بن عيسى بن عطية السعدي ، وعبد الله ابن زياد بن سمعان ، قالا : عن بعض من أسلم من أهل الكتاب : أن عيسى ابن مريم لمّا اتخذ الآيات والعجائب كفروا به وأجمعوا على قتله ، وقالوا : ساحر كذاب ، وكان سياحا ، يسيح في الأرض ، لا يأويه بيت ولا قرية ، عليه برنس له من شعر ، وإزار من شعر ، ونعلين من النعال السبتية ، وفي يده عصا ، مأواه حين يأتيه الليل ، سراجه ضوء القمر ، وظله ظلمة الليل ، وفراشه الأرض ، ووسادته حجر الأرض ، ونعله وركابه عشب الأرض ، ربما طوى الأيام جائعا ، إذا أصابته (١) الشدة فرح واستبشر ، وإذا أصابه الرخاء خاف وحزن ، وكان الله قد أوحى إليه : يا عيسى ابن مريم اذكرني في الدنيا أذكرك في المعاد ، عبدي أكحل عينيك بملمول الحرث تتعظ لي في ساعة الليل أسمعني لدادة الإنجيل إذا دخلت مسجدا من مساجدي لتضطرب قليلا (٢) خوفا مني ، ولتخشع جوارحك لي ، وقل لقومك إذا دخلوا مسجدا من مساجدي لا يدخلوا إلّا بقلوب خائفة ، وأبصار خاشعة خافضة ، وأيد طاهرة من الدنس ، وأخبرهم أنّي لا أستجيب دعاء ظالم حتى يردّ المظلمة إلى صاحبها. يا عيسى إنّي ذاكر كلّ من ذكرني ، وألعن الظالمين إذا ذكروني. يا عيسى لا تجالسن الخاطئين حتى يتوبوا. فقال عيسى للحواريين : يا معشر الحواريين لا تجالسوا الخاطئين ، فإن مجالسهم تقسي القلب ، وهي معصية الله ، حتى يتوبوا من المعاصي ، تقرّبوا إلى الله بمفارقتهم ، يا معشر الحواريين لا تحملوا عليّ اليوم همّ غدا ، حسب كلّ يوم همّه ولا يهتم أحدكم لرزق غد ، فإنكم لم تخلقوا لغد وإنما خلق [غد](٣) لكم فخالق الغد يأتيكم فيه بالرزق ، ولا يقولن أحدكم إذا استقبل الشتاء من أين آكل ومن أين ألبس ، وإذا استقبله الصيف يقول من أين آكل ومن أين أشرب ، فإن كان لك في الشتاء بقاء فلك فيه رزق ، وإن كان لك في الصيف بقاء فلك فيه رزق ، ولا تحمل همّ شتائك وصيفك على يومك ، حسب همّ كلّ يوم بما فيه.
يا معشر الحواريين ، إنّ ابن آدم خلق في الدنيا في أربعة منازل فهو في ثلاثة منها بالله واثق ، وظنه بالله حسن ، وفي الرابعة سيّئ ظنه بربه ، يخاف خذلان الله إياه. أما المنزلة الأولى فإنه يخلق في بطن أمه خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث : ظلمة البطن ، وظلمة الرحم ،
__________________
(١) بالأصل : أصابه.
(٢) بالأصل : قليل.
(٣) استدركت على هامش الأصل ، وبعدها صح.