بحكمته كمثل السراج يضيء من حوله ويحرق نفسه ، ومثل الحكيم الذي يعمل بحكمته كمثل الأترجة (١) ريحها طيّب وطعمها طيّب ، وإن مثل الحكيم الذي لا يعمل بحكمته كمثل شجرة الدفلى (٢) ورقها حسن وطعمها مرّ ، وإن مجالسة المؤمن الحكيم كمجالسة المسك إن لم يصبك منه شيء أصابك ريحه ، وإنّ مجالسة الرجل السوء بمنزلة مجالسة القبر إن لم يصبك شذاذه أصابك دخانه ، فإياكم ومجالسة أهل المعاصي.
يا معشر الحواريين ، لا تصفوا البعوض عن شرابكم وتشترطوا القيلة ، تنزعون القذى من أعين الناس وتدعون العوارض في أعينكم ، تنظرون في ذنوب الناس كأنكم أرباب ، لا تنظروا في ذنوب الناس فالأرباب ما نظروا في ذنوبكم كالعبيد ؛ ما الناس إلا كالرجلين مبتلى ومعافى ، فارحموا صاحب البلاء واحمدوا الله على العافية.
يا معشر الحواريين إنّ الله قال لموسى : يا موسى لا تحلف باسمي كاذبا ، وأمر موسى بني إسرائيل : لا تحلفوا بالله إلّا وأنتم صادقون ، وأنا آمركم أن لا تحلفوا بالله صادقين ولا كاذبين ، ولكن قولوا : نعم ، ولا يكفي بالكذب إثما وبالحلف غدرا. يا بني إسرائيل كونوا حكماء ، علماء ، لا تضعوا الحكمة إلّا عند أهلها ، ولا تكتموها أهلها ، فإنكم إن تكلمتم بالحكمة عند غير أهلها جهلتم ، وإن منعتموها أهلها فقد ظلمتموها ، فكونوا كالطبيب العالم الذي يضع دواءه حيث يعلم أنه ينفع ، فقولوا الحكمة واعلموا بها ، واقبلوها ممن يقولها ، وإن أبغضتم قائلها ، واجتنبوا قول السوء وإن أحببتم قائله ، حبّوا من أبغضكم وصلوا من قطعكم ، وأعطوا من حرمكم ، وصلّوا على من لعنكم ، فإنكم إن كنتم تحبون من أحبكم وتعطون من أعطاكم كانت تلك مكافأة ، فليس لكم فضل على أحد ، ولكن أعطوا من منعكم وبرّوا بآبائكم وأمهاتكم ، ليصرف الله عنكم العسر وييسّر لكم اليسر. اعفوا عن الناس يعف الله عنكم ، ألا ترون إلى ربكم كيف تشرق الشمس على أعدائه ، ويقسم رزقه لهم ، لا يحرمهم أرزاقهم لمعصيتهم إياه ، ويدعوهم إلى التوبة على أن يدخلهم الجنة ، واعلموا أنّ لكلّ كلمة حسنة أو سيئة جوابا تعطون جوابها يوم القيامة ، وإذا قرّب أحدكم قربانه ليذبحه ، فيذكر أن أخاه
__________________
(١) الأترجة : واحدة الأترج ، معروف ، حامضه مسكن غلمة النساء ، ويجلو اللون والكلف وقشره في الثياب يمنع ضرر السوس (تاج العروس).
(٢) الدفلى : شجر مرّ الطعم جدا منه نهري ومنه بري ورقه كورق الحمقاء وقضبانه طوال منبسطة على الأرض (تاج العروس).