أعينكم ، أصبحت الدنيا عندكم بمنزلة العروس المجلية (١) ، يعشقها كل من رآها وهي بمنزلة الحية ليّن مسها تقتل بسمّها.
يا معشر الحواريين ، ليكن همّكم من الدنيا أنفسكم تفوزوا بها ، ولا تكن (٢) همتكم بطونكم وفروجكم ، تضمروا من الطعام وتملّوا من الحكمة.
يا معشر الحواريين لو توكّلتم على الله حقّ توكّله لأتاكم بالرزق كما يأتي الطير رزقه في جو السماء تغدو خماصا (٣) وتروح بطانا.
يا معشر الحواريين ، هل تستطيعون أن تعبدوا زين يعني الدنيا والآخرة ، من طلب الدنيا ترك الآخرة ، ومن طلب الآخرة ترك الدنيا ، ... (٤) الشعير وملح الجريش (٥) ، واخرجوا من الدنيا سالمين.
يا معشر الحواريين ، قد تنطحت لكم الدنيا فجعلتكم فوقها ، فليس بنار علم فيها إلّا اثنان الملوك والنساء ، أما الملوك فإن لم تنازعوهم (٦) في دنياهم لم ينازعوكم في دينكم ، وأما النساء فاستعينوا عليهن بالصيام ، واعلموا أن النظر إلى النساء سهم من سهام إبليس مسموم ، وهو يزرع الشهوة في القلب ، وكفى بصاحبها خطيئة. إنما قتلت الملوك الأخيار لأنهم دعوهم إلى دنياهم فلم يجيبوهم ، وأظهروا الناس على عيوبهم ، فقالوا : نقتلهم فنستريح منهم.
يا معشر الحواريين ، لا تنازعوا أهل الدنيا في دنياهم فينازعوكم دينكم ، فلا دنياهم أصبتم ولا على دينكم استبقيتم. يا معشر الحواريين تنطقوا ، بالحكمة التي جعل الله لكم في قلوبكم ، ولا تدنسوا أبدانكم بعرض الدنيا ... (٧) الدنيا لا تسروا ، واعلموا أن هذه الحكمة تنوّر القلوب إذا ما مسّها العمل ، فلا تفسدوا فتفسدوا الناس ، وإن مثل الحكيم الذي يعمل بحكمته كمثل الشمس تضيء (٨) للخلائق ولا تحرق نفسها ، وإن مثل الحكيم الذي لا يعمل
__________________
(١) العروس المجلية : جلا العروس على بعلها جلوة وكذلك اجتلاها أي عرضها عليه مجلوة ، وقد جليت على زوجها (تاج العروس).
(٢) بالأصل : يكن.
(٣) خمص البطن : خلا ، والمخمصة : المجاعة ، وقد خمصه الجوع خمصا ومخمصة (القاموس).
(٤) كلمة غير مقروءة بالأصل.
(٥) الجريش من الملح ما لم يطيّب ، وهو المتفتت كأنه قد حك بعضه بعضا (تاج العروس : جرش).
(٦) بالأصل : ينازعوهم.
(٧) غير مقروءة بالأصل.
(٨) بالأصل : يضيء.