(ذلِكُمْ فِسْقٌ). اشارة الى خصوص الاستقسام بالأزلام دلالة ، والى جميع المحرمات المذكورة حكما ، وبهذا يتبين معنا ان اختلاف المفسرين حول ذلكم : هل هي اشارة الى خصوص الأخير ، أو الى الجميع؟ ان هذا الاختلاف لا جدوى منه ، ما دام حكم الجميع واحدا ، من حيث الفسق ، أي الذنب العظيم.
(الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ). قال كثير من المفسرين : ان المراد باليوم في الآية اليوم الذي نزلت فيه من ذي الحجة في حجة الوداع من السنة العاشرة للهجرة ، وعليه يكون الألف واللام في اليوم للعهد ، وقال صاحب مجمع البيان : اليوم هنا بمعنى الآن ، كما يقول القائل : اليوم قد كبرت ، أي الآن قد كبرت. ومهما يكن فان معنى الآية ان الكفار يئسوا من زوال الإسلام ، أو تحريفه بعد أن تمكن في نفوس أتباعه ، وأخذ طريقه في الانتشار يوما بعد يوم .. اذن ، فلا تخافوا ـ أيها المسلمون ـ من الكافرين ، وخافوا من الله وحده ، وصدق الله العظيم في كل ما يقول : (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ ، هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) ـ ٣٣ التوبة».
ومن المفيد بهذه المناسبة أن نقطف جملا من كتاب «الإسلام في القرن العشرين» للعقاد ، قال :
«ان العقيدة الإسلامية لم تكن قوة غالبة ، وحسب في ابان النشأة والظهور ، ولكنها كانت قوة صامدة بعد مئات السنين .. وصمود القوة الإسلامية في أحوال الضعف عجيب كانتصارها في أحوال القوة والسطوة ، ولا سيما الصمود بعد أكثر من عشرة قرون .. ان قوة صمود العقيدة الإسلامية في صدر الإسلام عجيبة ، ولكن صمودها الآن أعجب ، لأنها لا تملك الدفاع النافع ولا مال لديها ولا سلاح ولا علم ولا معرفة ، بل لا تملك الدفاع ، ولا اتفاق بين أهلها على الدفاع .. ان قوة العقيدة الإسلامية قد سرت مسراها في أرجاء العالم بمعزل عن حروب الدول وسياستها ، وعن عروش العواهل وتيجانها ، وفي افريقية اليوم مائة مليون مسلم ، لا شأن في إسلامهم لدولة أو سياسة ، وقريب من هذا العدد مسلمون