صنع الله تعالى ، لأنه هو خالق الطبيعة وما فيها. وبديهة ان قوانين الطبيعة تأبى أن تمطر السماء مالا وصحة وعلما ، وإنما تأتي هذه وأمثالها من طرقها وأسبابها الطبيعية .. فالعلم من التعلم ، والصحة من الغذاء والوقاية ، والمال من العمل ، فمن تعلم علم ، ومن اتقى أسباب الداء سلم ، ومن انتحر مات ، ومن زرع حصد ، سواء أكان طيبا أم خبيثا ، مؤمنا أم كافرا ، فالطيبة أو الايمان لا ينبت قمحا ، ولا يشفي داء ، ولا يجعل الجاهل عالما .. كل هذه وما أشبه تجري على سنن الطبيعة ، وسنن الطبيعة تجري على مشيئة الله ، ما في ذلك ريب ، لأنه هو الذي جعل التعلم سببا للعلم ، والوقاية سببا من أسباب الصحة ، والزراعة سببا للحصاد .. انه خالق كل شيء ، واليه ينتهي كل شيء.
أجل ، ان لكسب المال سبلا وأبوابا كثيرة ، وقد أحل الله بعضا ، وحرم بعضا ، أحل الله سبحانه التجارة والزراعة والصناعة ، وحرّم الربا والغش والرشوة والسلب والنهب والاحتكار والاتجار بالمبادئ فمن يكسب المال من حله ينسب كسبه اليه ، لأنه قد جد واجتهد في طلبه ، وأيضا ينسب إلى الله ، لأنه هو الذي أوجد هذه الأسباب ، وأباحها لكل راغب طيبا كان أو خبيثا ، أما من يكسب المال من غير حله كالربا والسلب فان كسبه ينسب إلى كاسبه ، وإلى الأوضاع التي مهدت له ، ولا ينسب إلى الله ، لأنه تعالى قد حرّم هذه السبل على الطيب والخبيث.
وتقول : هذا صحيح ، ولكنه لا يجيب عن السؤال ، ولا يحل المشكلة .. فلقد رأينا كلا من الطيب والخبيث يسلك الطريق المشروع للرزق ، ويطلبه من السبيل الذي أحله الله ، وأمر به ، ومع ذلك يتسع الرزق على الخبيث ، ويضيق على الطيب ، وربما بذل هذا من الجهد أضعاف ما بذله ذاك ، بل قد يأتي الرزق للخبيث من حيث لا يتوقعه ، ولا يؤهله له استعداده وجهاده .. ويمتنع عن الطيب من حيث يتوقعه ، ويؤهله له جهاده واستعداده.
الجواب : إن بعض الناس يلجئون في تفسير ذلك إلى الصدفة أو الحظ ، وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على عجزهم عن التفسير الصحيح ، وإلا لم يلجئوا إلى ما يخبط خبط عشواء ، ويرمي عن غير قصد وتصميم.