الله خالق الكون ومالكه : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) ـ ٦١ العنكبوت.
وتسأل : ما دام الأمر كذلك فأي جدوى من السؤال؟.
الجواب : ان القصد من السؤال وجوابه استدراج الخصم إلى الاعتراف بإمكان النشر والحشر ، واقامة الحجة عليه ، لأن الله سبحانه إذا كان هو خالق الكون ومالكه فهو ـ إذن ـ قادر على التصرف فيه فناء وإعادة.
(كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ). وأعاد سبحانه هذه الجملة في الآية ٥٤ من هذه السورة. قال المفسرون : أوجب الله على نفسه الرحمة إيجاب فضل وكرم .. ونحن نؤمن بأن الله ذو فضل وكرم ، وفي الوقت نفسه نؤمن بأن رحمته نتيجة حتمية لغناه في ذاته عن كل شيء ، وافتقار كل شيء اليه تعالى ، لأن المخلوق مفتقر بطبعه الى عناية الخالق ورحمته افتقار المعلول الى علته ، والمسبب الى سببه .. فرحمة الله بعباده لا تنفك عن ذاته وكماله ، وعلى هذا يكون معنى (كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) ان رحمته حتم لذاته القدسية ، تماما كالقدرة والعلم.
(لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ). وهذا الجمع حتم أيضا ، ولذا وصفه جل ثناؤه بقوله : (لا رَيْبَ فِيهِ). لأن فيه يقتص للمظلوم من الظالم ، ويجازى المسيء على السيئة بمثلها ، والمحسن على الحسنة بأضعاف مضاعفة من أمثالها ، ولو لا هذا اليوم لذهب الحق هدرا ، وكان الأقدر هو صاحب الأمر والنهي ، وليس خالق الكون ومالكه.
(الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ). قال الزمخشري : لقد اختار الكافرون الخسران ، فهم لذلك غير مؤمنين. والزمخشري من أهل الاعتزال القائلين : الإنسان مخير ، لا مسير. وقال الرازي : إن الله هو الذي قضى بخسرانهم ، ولهذا امتنعوا عن الايمان. والرازي من الأشاعرة القائلين : الإنسان مسير ، لا مخير. وقال آخرون : امتنع الكفار عن الايمان تقليدا لآبائهم.
وفي تصورنا ان الآية تشير إلى حقيقة الإنسان ، وانها تتكون من نفسه وجسمه ، وان كلا منهما جزء متمم للآخر ، وان الإنسان لا يحيا حياة صحيحة إلا إذا عمل لهما معا ، وان من عمل للروح دون المادة ، أو للمادة دون الروح فقد خسر