انعكاس عن ذاته وواقعه ، حتى كأن الجميع شيء واحد عند الله والناس ، أما الغامض المبهم الذي يعرف الخالق منه ما لا يعرفه المخلوق من الرياء والنفاق ، أما هذا فسوف يبدو له جزاء ريائه ونفاقه ، وتذهب نفسه حسرات على إساءته ، ويتمنى الخلاص بالرد إلى الدنيا ، ولكن هيهات. (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) في قولهم : يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين .. ولقد قرأنا عن عشرات المجرمين انهم تابوا وهم في غياهب السجن ، حتى إذا خرجوا عادوا إلى اجرامهم. وآثامهم ، (وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً) ـ ٦٦ الإسراء.
(وَقالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ). أي لو ردوا الى حياتهم الأولى لقالوا ما قالوه من قبل : لا بعث ولا حساب ولا جزاء.
وتسأل : كيف ينكرون ، وقد شاهدوا الهول الأكبر ، وعرضوا عليه ، وتوسلوا للخلاص منه ، وقطعوا عهدا على أنفسهم ان لا يعودوا الى ما كانوا عليه.
الجواب : انهم يعرفون جيدا ان الحساب والعذاب واقع لا محالة ، ولكنهم يعرفون أيضا أنهم لو أعلنوا الحق وخضعوا له لفاتتهم المغانم والمكاسب ، قال تعالى : (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا) ـ ١٤ النمل.
(وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ) بعد أن كذبوا بلقائه (قالَ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِ)؟. قلنا في تفسير الآية الرابعة من هذه السورة : ان الله يدعو الى الايمان بالحق ، مع إقامة الدليل عليه ، فإن جحده جاحد لزمته الحجة ، وهذه الآية تؤكد ذلك ، وتذكر بالدلائل والبينات التي أنكروها وكذبوا بها (قالُوا بَلى وَرَبِّنا). الآن ، وقد فات ما فات ، ولم يبق إلا الجزاء العادل ، والعذاب لمن كفر وأنكر (قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ). هذا جزاء كل من آثر العاجلة على الآجلة ، وكتم الحق لهوى في نفسه.
وتسأل : ان قوله تعالى للكافرين : أليس هذا بالحق ، وقوله : ذوقوا العذاب لا يتفق مع الآية ١٧٤ من سورة البقرة : (وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ)؟. الجواب : المراد ان الله لا يكلمهم بما يسرهم ، بل بما يسوءهم ، كما في