يختبر عباده المستكبرين في أنفسهم بأوليائه المستضعفين في أعينهم. ولقد دخل موسى بن عمران ومعه أخوه هارون (ع) على فرعون ، وعليهما مدارع الصوف ، وبأيديهما العصي ، فشرطا إن أسلم بقاء ملكه ودوام عزه ، فقال : ألا تعجبون من هذين يشرطان لي دوام العز وبقاء الملك ، وهما بما ترون من حال الفقر والذل؟. فهلا القي عليهما اسارة من ذهب؟. ـ إلى قوله ـ : ولكن الله سبحانه جعل رسله أولي قوة في عزائمهم ، وضعفة فيما ترى الأعين من حالهم.
السلام عليكم ورحمة الله :
(وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ). قال رسول الله (ص) : أدبني ربي فأحسن تأديبي. وأي أدب كأدب خالق السموات والأرض؟. وأية نفس ينمو ويثمر فيها الأدب الإلهي كنفس محمد؟. لقد أدب سبحانه هذه النفس الطيبة الزاكية ، ليؤهلها لرسالته ، رسالة الرحمة للعالمين التي بها وبصاحبها تمت مكارم الأخلاق .. أدّب الله محمدا في العديد من آياته ، ومنها هذه الآية ، وهي تعلّم رسول الله وخير خلق الله كيف يسلك ويعامل الضعفاء والمساكين .. فكان يلقاهم بالبشاشة والترحاب ، ويقول : سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة ، ويحبس نفسه معهم ، ما داموا في مجلسه ، حتى يكونوا هم الذين ينصرفون.
وإذا كان النبي مقصود الله بهذا التأديب فنحن مقصودون بالتأسي والاقتداء به ، فلا نكرم أحدا لمال أو جاه أو جنس ولون ، وإنما نكرم ونحترم للدين والخلق الكريم ، قال بعض المفسرين الجدد : كانت الحياة البشرية قبل محمد (ص) في الحضيض ، فرفعها محمد إلى القمة ، وتراجعت الآن عن القمة السامقة ، وانحدرت في نيويورك وواشنطن وشيكاغو ، حيث العصبيات النتنة ، عصبيات الجنس واللون.
أجل ، لا جنس ولا لون ، ولا جاه ولا ثراء ، لا فضل في الإسلام إلا بالتقوى ، وفي هذا المبدأ الإسلامي الإلهي يكمن السر لتواضع المراجع الكبار من