قال الشيعة : جميع آباء محمد وأجداده موحدون لحديث : ما زلت انتقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام المطهرات ، حتى أخرجني الله إلى عالمكم هذا. وقالوا : الأب الحقيقي لإبراهيم اسمه تارح ، وان آزر أخو أبيه ، أو جده لأمه ، وأطلق عليه لفظ الأب مجازا (١). وقال الألوسي في تفسيره : وعلى هذا جم غفير من السنة ، أي انهم يقولون بمقالة الشيعة.
ولكن صاحب تفسير المنار والرازي قالا : ان السنة لا يوافقون الشيعة على رأيهم هذا ، ويجيزون أن يكون في أجداد النبي مشرك أو ملحد .. وظاهر القرآن مع السنة ، بخاصة قوله : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا إِذْ قالَ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً) ـ ٤٢ مريم.
وعلى أية حال ، فلا جدوى من هذا النزاع ، وبسط الكلام فيه تكثير له من غير طائل ، لأنه لا يمت إلى عقيدة الإسلام بصلة ، فإن المطلوب من المسلم الإيمان بنبوة محمد (ص) وعصمته ، وأنه سيد الأنبياء وخاتمهم ، أما الإيمان بأن جميع آبائه وأجداده موحدون ، وانه آزر عم ابراهيم لا أبوه ، أما هذا فليس من عقيدة الإسلام في شيء.
(وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ). المراد بكذلك ان الله سبحانه كما كشف لإبراهيم عن ضلال قومه في عبادتهم الأصنام فقد كشف له أيضا عن عجائب السموات والأرض ليستدل ببديع نظامهما وغريب صنعهما على وجود الله ووحدانيته وعظمته (وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) فيؤمن عن حجة ودليل ، وتدل هذه الآية على أمرين :
الأول : ان عقيدة الإسلام تقوم على حرية الرأي والعقل ، لأن الله سبحانه ما أوجب الإيمان به إلا بعد أن أقام الدليل عليه ، ودعاهم الى النظر فيه.
الثاني : ان الدليل الذي أقامه على وجوده ميسور وسهل على جميع الافهام
__________________
(١). لقد تواتر ان عبد المطلب جد النبي (ص) حلف إذا رزق عشرة بنين أن يضحي بواحد منهم ، وان السهم خرج على عبد الله أبي محمد (ص) ، وهذا يتنافى مع القول : ان جميع أجداد النبي كانوا على دين ابراهيم.