كلا ، وان كان السياق يشعر بذلك ، وانما المراد أن يعدل الإنسان في جميع سلوكه ، دون استثناء.
فإن كان عالما زمنيا اتخذ من علمه وسيلة للقضاء على أسباب الضعف والتخلف ، وتوفير أسباب القوة والتقدم ، وان كان «دينيا» دعا الى كلمة الله ، وهي أن يحسن الإنسان خلافة الله في أرضه ، ويقاوم كل من ينحرف عن هذا السبيل ، وان كان جاهلا استجاب لأهل العلم والدين ، ووقف الى جانبهم مناصرا ومؤازرا ، ما داموا مع الحق والعدل.
هذا هو العدل الذي أمر الله به في هذه الآية وغيرها ، العدل الذي هو أمل الانسانية وهدفها ، والذي لا تستقيم بدونه حياة .. ان المجتمع قد يعيش من غير علم ، اما ان يعيش بلا عدل في جهة من الجهات فمحال ، حتى ولو كان جميع أفراده عباقرة ومخترعين .. ان العلم بلا عدل ضرره أكثر من نفعه ، أمما العدل فكله نفع ، ومحال أن يكون فيه للضرر شائبة ، وان وجدت فهي وسيلة لدفع ما هو أعظم ضررا ، وأشد خطرا.
(وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى). المراد بالقوم في الآية أعداء الخير والعدل الذين يقاومون كل محاولة لتحرير الانسانية من قيود الضعف والتخلف .. وقد أمرنا سبحانه بالمضي في اقامة العدل والعمل من أجل الحياة غير مهتمين ولا مكترثين بغيظ المنحرفين ودسائسهم ، وبعبارة ثانية ينبغي أن نعمل بالمثل : القافلة تسير ، والكلاب تنبح.
(وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ). في الآية ٢٥ من سورة البقرة بشر سبحانه المؤمنين العاملين بأن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ، وفي الآية ٥٧ من سورة آل عمران بشرهم بأنه تعالى يوفيهم أجورهم ، وزاد في الآية ٥٦ من سورة النساء بأن لهم في الجنة أزواجا مطهرة ، ويأتي هذا الوعد في بقية السور بأسلوب آخر .. والهدف في الجميع واحد ، وهو الحث والترغيب في الايمان والعمل كلما دعت المناسبة.
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ). بعد أن وعد المؤمنين العاملين بالنعيم توعد الكافرين بالجحيم على طريقته تعالى من تعقيب الترغيب