اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً) ـ ٧٦ مريم. وقال : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ) ـ ١٧ محمد. وهكذا يهتم الأستاذ بتلميذه ويشجعه إذا علم منه الذكاء والنشاط.
الفريق الثاني : لا تتسع صدورهم للحق لجهلهم وضيق أفقهم ، أو لتناقضه مع منافعهم وأرباحهم ، أو عاداتهم وتقاليدهم ، وهؤلاء هم المعنيون بقوله تعالى : (فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ) ـ ٢٢ الزمر. وقوله : (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ) ـ ٢ الأنبياء. وقوله : (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) ـ ٢٣ الأنفال. فالله سبحانه يعرض عن العبد ، ويوكله الى نفسه إذا لم يعلم الخير منه ، كما يهمل الأستاذ تلميذه بعد اليأس من نجاحه. انظر تفسير الآية ٨٨ من النساء ، فقرة : الإضلال من الله سلبي لا ايجابي ج ٢ ص ٣٩٩.
(كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ). كان الناس فيما مضى يضربون المثل للممتنع بالصعود الى السماء ، حيث لا وسيلة اليه بحال ، والتشبيه في الآية يتفق مع العصر الذي نزلت فيه ، والقصد منه ان فريقا من الناس ـ وهم الفريق الثاني الذي أشرنا اليه ـ يجدون الضيق والعسر لو كلفوا باتباع الحق ، تماما كما لو أمروا بالصعود الى السماء (كَذلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ). المراد بالرجس هنا العذاب ، لأنه جزاء الكافرين ، والمعنى ان الذين وقعوا في الضيق والحرج من اتباع الحق في الدنيا كذلك غدا يقعون في العذاب الذي هو أشد وأعظم عليهم ضيقا وحرجا من اتباع الحق : (وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا) ـ ٨١ التوبة.
(وَهذا صِراطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً). هذا إشارة إلى الإسلام الذي تنشرح له وتستريح به صدور الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، والإسلام هو الصراط الذي لا وعورة فيه ولا اعوجاج (قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ). أي أقمنا الدلائل والحجج الواضحة الكافية على صحة الإسلام وصدقه في القرآن وآياته ، وبها ينتفع الذين يعرفون دلائل الحق وبه يعملون (لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ). والذين يقيمون في دار الله هذه لا يمسهم السوء ، ولا هم يحزنون ، لأن الله