المعنى :
(وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللهِ وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ). الواو في جعلوا يعود إلى مشركي العرب ، وذرأ خلق ، والحرث الزرع ، والانعام المواشي ، والنصيب السهم ، والشركاء الأصنام.
ومحصل المعنى ان الله سبحانه بعد أن أبطل في الآيات السابقة عقيدة المشركين بمنطق العقل والفطرة تعرض في هذه الآيات الى بعض ما كان مشركو العرب يزاولونه في أموالهم وأولادهم ، وهذه الآية التي نفسرها تعرضت لشأنهم وتقاليدهم في ثروتهم المالية ، وهي الزرع والماشية ، وكانوا ـ كما في كتب التفسير ـ يعينون شيئا من زرعهم وأنعامهم لله ، ويصرفونه الى الصبيان والمساكين ، وشيئا لأصنامهم ، وينفقونه على سدنة الأصنام وحراسها ، وكانوا يبالغون ويجتهدون في تنمية نصيب الأصنام ، ليأتي نتاجه أكثر وأوفر من نصيب الله ، لأن الله غني ، وفي الأصنام فقر ، وكانوا إذا خالط شيء مما جعلوه لله ما جعلوه للأصنام تركوه لها ، وإذا خالط شيء مما جعلوه للأصنام ما جعلوه لله ردوه الى الأصنام ، وأيضا إذا أصابهم الجدب أكلوا من نصيب الله ، وتركوا نصيب الأصنام .. وهذه الصورة أوضح تفسير للآية الكريمة (ساءَ ما يَحْكُمُونَ) في إيثار أصنامهم على الله تعالى علوا كبيرا.
(وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ). تقدم ان المراد بالشركاء في الآية السابقة الأصنام ، أما في هذه الآية فالمراد بهم الكهنة وسدنة الأصنام بطبيعة الحال ، لأن الأصنام لا تشعر ولا تنطق ، فكيف تزين وتغري؟. والمعنى ان المشركين كما جعلوا في أموالهم نصيبا لله ، ونصيبا للأصنام كذلك زين لهم السدنة والكهنة ، ومن اليهم من الرؤساء ، زينوا لهم قتل أولادهم.
وتسأل : إن تصرف المشركين في أموالهم وأولادهم على النحو المتقدم كان بوحي من عرف الجاهلية ، ومعلوم ان العرف ، يضعه الناس للناس ، فإذا قتل واحد منهم ابنه خشية الفقر والاملاق ، أو وأد ابنته خوف