عيسى (ع) أتى بعقيدة التوحيد :
(وَإِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ. قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ. إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ. ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ) (١١٥ المائدة).
وظلت عقيدة التوحيد عند كثير من المسيحيين ، ولم تعلن عقيدة التثليث مدعومة بالقوة الى سنة ٣٢٥ م حيث أصدر مجمع نيقية قرارا بإثبات ألوهية المسيح ، وتكفير من يقول : انه انسان ، وحرق جميع الكتب التي تصفه بغير الألوهية ، ونفذ قسطنطين امبراطور الرومان هذا القرار ، وأصبح المسيح إلها عندهم بعد أن كان بشرا ، وصدق عليهم قول الفيلسوف الصيني (لين يوتانغ) : ان الاغريق جعلوا آلهتهم مثل الرجال ، أما المسيحيون فقد جعلوا الرجال مثل الآلهة (١).
وبهذا يتبين معنا ان الاعتقاد بألوهية عيسى (ع) كان قبل نزول القرآن بحوالى ثلاثة قرون ـ اذن ـ يكون المعنى المراد من قوله تعالى : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ) المعنى الظاهر من اللفظ ، ولا داعي للتأويل بالحلول والاتحاد ، كما فعل كثير من المفسرين القدامى زاعمين ان أكثر النصارى لا يقولون بربوبية عيسى ، بل يقولون : ان الله حل به ، أو اتحد معه ، وعليه فلا تعدد .. وقال صاحب تفسير المنار : «ان أمثال الزمخشري والبيضاوي والرازي لا يعتد بما يعرفون عن النصارى ، لأنهم لم يقرءوا كتبهم ، ولم يناظروهم فيها». وصدق صاحب المنار ، فان من يرجع الى كتبهم يجدها صريحة في التثليث ، ونقل الشيخ أبو زهرة الكثير منها في كتاب «محاضرات في النصرانية»
__________________
(١). المجامع عند النصارى تنقسم الى ثلاثة اقسام : مجامع مسكونية ، اي تجمع رحال الكنيسة في جميع أنحاء المعمورة ، وهذه حكمها لا يرد ، ومجامع ملية ، اي تختص بملة دون ملة ، ومجامع اقليمية ، اي خاصة باقليم دون إقليم .. وتجدر الاشارة الى ان أبا حنيفة يقول : ليس لله احكام واقعية ، وان حكمه ما يراه المجتهد بالذات ، اي ان حكم الله واقعا ما حكم به الفرد فضلا عن الجماعة والمجامع.