وأخذ الله آل فرعون بالجدب والضيق ، وأرسل عليهم أمطارا تهلك زرعهم وثمارهم ، وجرادا يأتي على ما تبقى من أثر السيول ، وقملا ينهك أجسامهم ، وضفادع تفسد عليهم حياتهم ، وفوق هذا كله تحولت مياههم الى دماء .. وعندها فزعوا الى موسى ، وقالوا له : لئن كشف ربك عنا العذاب لنكونن من المؤمنين ، وكشف الله عنهم الى حين لعلهم يرجعون .. ولكن نكثوا العهد ، وأصروا على الكفر ، فأغرقهم الله في البحر ، وقطع دابر الكافرين.
هذا تلخيص سريع لما جاء في الآيات التي نحن بصددها ابتداء من الآية ١٠٣ الى نهاية الآية ١٣٧. وفيما يلي نشرح دلالة هذه الآيات على ما ذكرنا.
المعنى :
(ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَظَلَمُوا بِها). ضمير بعدهم يعود إلى الأنبياء الخمسة : نوح وهود وصالح ولوط وشعيب ، أو إلى قومهم ، والآيات التي بعث بها موسى هي المعجزات الدالة على نبوته ، وملأ فرعون أشراف قومه الذين بيدهم الحل والعقد ، وليس لغيرهم إلا الانقياد والتسليم ، ومعنى ظلموا بها جحدوا وكفروا بما جاء به من الآيات والمعجزات. (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ). وهم فرعون وأنصاره الذين يتحكمون في رقاب العباد ، وهذه العاقبة ستجيء في السياق.
(وَقالَ مُوسى يا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ). بهذا النداء خاطبه موسى (يا فِرْعَوْنُ) من غير تبجيل وتعظيم ، لأنه يتكلم بلسان الله ، ويبلغ رسالات الله التي يصغر عندها كل كبير .. وبهذا ندرك السر لسيرة الصلحاء الذين يترفعون على الفاسقين ويخفضون جناح الذل من الرحمة للمؤمنين.
(حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ) شأن كل نبي ائتمنه الله على وحيه ، واختاره لرسالته (قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) تدل على اني رسول من رب العالمين (فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ) كان فرعون يستعبد بني إسرائيل ، ويستخدمهم في أشق الأعمال ، فطلب منه موسى (ع) أن يطلقهم ، ويدعهم وشأنهم يذهبون الى حيث يشاءون.