(وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ). لما ذهب موسى (ع) استخلف أخاه هرون على بني إسرائيل ، ونصحه أن يقوم على شئونهم ويصلح أمورهم ، وحذره من طبيعتهم التي هي إلى الفساد أميل ، فبالأمس القريب اشرأبت نفوسهم إلى عبادة الأوثان ، وقال لهم موسى : انكم قوم تجهلون كما سبق في الآية ١٣٨. فتقبل هرون النصيحة عن طيب خاطر ، كما يتقبلها المرءوس المخلص من رئيسه الناصح الأمين.
(وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا) الذي وقّته سبحانه لاعطاء التوراة (وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ) من وراء حجاب : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً) ـ ٥١ الشورى (قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ). قال بعض العلماء : ان موسى لم يسأل رؤية الله من أجل نفسه ، وإنما سألها من أجل قومه. وهذا القول يتنافى مع قول موسى : (سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ). ومهما يكن ، فان موسى قد طلب الرؤية ، سواء أكان من أجله أم من أجلهم .. ونحن لا نرى أي بأس في هذا الطلب ، فان نفس الإنسان تتشوف إلى ما يكون وإلى ما لا يكون ، بخاصة إلى الرؤية التي تزيد النفس اطمئنانا وتأكيدا ، وقد طلب ابراهيم (ع) ما يشبه ذلك : (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) ـ ٢٦٠ البقرة.
(قالَ لَنْ تَرانِي). لأن رؤية الله بالبصر محال ، وتكلمنا عن ذلك مفصلا عند تفسير الآية ٥١ من سورة البقرة ج ١ ص ١٠٢ فقرة رؤية الله (وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي). تلفت موسى إلى الجبل ليرى الله فإذا به قد غار في الأرض ، ولم يبق له عين ولا أثر. وقد أراد الله بهذا أن يفهم موسى (ع) ان رؤية الله ممتنعة عليه وعلى غيره .. علق سبحانه إمكان رؤيته على استقرار الجبل ، والمفروض انه لم يستقر ، اذن ، فالرؤية ممتنعة وغير ممكنة .. وهذا الأسلوب من باب افعل هذا إذا شاب الغراب ، وإذا دخل الجمل في سم الخياط.
(فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا). أي فلما ظهر أمر ربه ، تماما كقوله تعالى : (وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) أي جاء أمر ربك (وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً). غاب عن وعيه لهول المفاجأة ، فلطف الله به وشمله برحمته ، فأفاق