من غشيته (فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ) من سؤالي رؤيتك (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) بأنك أعظم من أن ترى بالعيان. وليس المراد انه أول المسلمين بحسب الزمان ، وإنما المراد الثبات والتأكيد على الإسلام.
(قالَ يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ). بعد أن تضرع موسى (ع) إلى خالقه ذكّره الله بنعمه وأعظمها النبوة والتكليم ، والمراد بالناس ناس زمانه بدليل قوله : (بِرِسالاتِي) فان الله قد اختار رسلا كثيرين قبل موسى وبعده ، أما تخصيصه بالتكليم فلا دلالة فيه على الأفضلية ، وان دل على الفضل ، فان إرسال الروح الأمين الى خاتم الرسل وسيد النبيين هو أعلى المراتب وأفضلها على الإطلاق.
(وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ). المراد بالألواح التوراة لأنها هي التي أنزلها على موسى ، وفيها الموعظة وتفصيل الأحكام. وكل شيء لفظ عام ، والمراد به خاص ، وهو ما يتعلق بموضوع الرسالة من المواعظ والحكم ، وأصول العقيدة كالإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر ، والأحكام الشرعية كالحلال والحرام ، فقوله : (مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً) هو بيان وتفسير لقوله : (مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) لأن المراد بالتفصيل بيان الأحكام الشرعية. (فَخُذْها بِقُوَّةٍ) أي حافظ على التوراة ، واعمل بها بنية صادقة.
(وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها). كل ما أنزل الله في كتابه فهو حسن ، ولكن منه الأحسن ، قال تعالى : (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ) ـ ثم قال ـ (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) ـ ١٩٤ البقرة. وقال : (وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ) ـ ٤٥ المائدة. أي من تصدق بالقصاص.
(سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ). أي على الفاسق والباغي تدور الدوائر. هذا ما فهمته من هذه الجملة قبل أن أرجع الى التفاسير ، وبعد الرجوع اليها وجدت أقوالا في تفسيرها ، ومنها ان الله سيريهم دار فرعون وقومه بعد إهلاكهم. ومنها انه سيريهم أرض الشام التي كانت في ذاك الزمان بقبضة الوثنيين.