المعنى :
(سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ). المتكبرون في الأرض هم الذين يعاندون الحق ، ولا يخضعون لسلطانه ، وقوله : (بِغَيْرِ الْحَقِ) للتوضيح ، لا للاحتراز تماما مثل (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِ). أما آيات الله فيطلقها القرآن تارة على الآيات المبينة لأصول العقيدة وأحكام الشريعة ونحوها ، وتطلق تارة على الحجج والدلائل المثبتة للألوهية والنبوة ، فإن تكن الأولى هي القصد في الآية التي نفسرها فالمعنى ان الله سبحانه يحفظها ويصونها من يد التحريف ، تماما كقوله : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) ـ ٩ الحجر.
وان تكن الثانية أي الدلائل والبينات فالمعنى ان المعاندين بعد أن أعرضوا عنها ورفضوا الإصغاء اليها فإن الله سبحانه يدعهم وشأنهم ، ولا يلجئهم إلى الإيمان بها إلجاء ، وتقدم الكلام عن ذلك مرات ، منها عند تفسير الآية ٨٨ من سورة النساء ج ٢ ص ٣٩٩ فقرة الإضلال من الله سلبي لا إيجابي.
(وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ). هذا بيان لحقيقة المتكبرين ، وللسبب الموجب لتكبرهم أيضا ، أما حقيقتهم فهي انهم لا يرتدعون عن غي ، ولا يميلون إلى رشد ، أما السبب الموجب فهو ان الله سبحانه قد جاءهم بالحجج والبراهين ، وطلب اليهم أن ينظروا اليها ويتدبروها ويعملوا بموجبها ، فرفضوا وأصروا على الاعراض وعدم النظر .. ولو انهم استجابوا ودرسوا تلك الدلائل لأدى بهم الدرس والنظر الى الإيمان والاعتراف بالحق ، ولم يتكبروا ويفسدوا في الأرض.
(وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ). كل من لا يؤمن بالله ولقاء ربه فهو من الهالكين غدا ، ويذهب ما كان يفاخر به ويكاثر سدى وهباء جزاء على كفره وعناده .. وأعجبني ما قاله هنا بعض المفسرين غفر الله له ، وشمله برحمته ، ولذا أنقله بالحرف ، قال : حبوط الأعمال مأخوذ من قولهم : حبطت الناقة إذا رعت نباتا ساما ،