فانتفخ بطنها ثم نفقت ، وهو وصف ملحوظ في طبيعة الباطل يصدر من المكذبين بآيات الله ولقاء الآخرة ، فالمكذب ينتفخ حتى يظنه الناس من عظمة وقوة ، ثم ينفق كما تنفق الناقة التي رعت ذلك النبات السام.
(وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ). تقدم في الآية ١٤٢ ان موسى (ع) ذهب لميقات ربه ، وانه استخلف على قومه أخاه هرون ، وأيضا تقدم في الآية ١٣٨ أن بني إسرائيل بعد أن تجاوزوا البحر طلبوا من موسى أن يجعل لهم صنما يعبدونه ، لا لشيء إلا لأنهم رأوا عبدة الأصنام ، وما أن غاب موسى حتى اغتنموا فرصة غيابه ، فجمع السامري حلي النساء ، وصنع منها عجلا ، وجعله على هيئة بحيث يخرج منه صوت الثيران ، وقال لهم : هذا إلهكم وإله موسى ، فتهافتوا على عبادته ، ونهاهم هرون ، ولكنه لم يملك ردهم عن الضلال ، ولم يستجب له إلا قليل منهم. وتقدمت الإشارة إلى ذلك في الآية ٥١ من سورة البقرة ج ١ ص ١٠٢. وأيضا يأتي الكلام عنه .. وهذه الآية تغزز ما كررناه في المجلد الأول والثاني من ان إسرائيل لا تثبت إلا على مبدأ الشهوات والأهواء ، ان صح ان تكون الأهواء مبدأ.
(أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ). هذا هو منطق الفطرة والعقل الذي يأبى أن يعبد الإنسان إلها من صنع يده .. ولكن ما لاسرائيل والعقل والفطرة والدين؟.
(وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ). هذه هي المنقبة الوحيدة والأولى والأخيرة التي سجلها القرآن لاسرائيل من حيث هي وعلى وجه العموم ، وبصرف النظر عن القلة القليلة التي آمنت منهم بموسى وثبتت معه حتى النهاية .. وقد استظهر بعض المفسرين من توبة بني إسرائيل انه كان فيهم آنذاك بقية من الاستعداد للصلاح ، ثم ذهبت هذه البقية ، ولم يبق أي أثر فيهم للاستعداد إلى الخير. وهذا الاستظهار غير بعيد ، وتومئ اليه الآية ٧٤ من سورة البقرة : (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) وهذه الآية بالذات نزلت بعد قصة ذبح البقرة ، وهذا الذبح متأخر عن عبادتهم العجل.