المعنى :
(خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ). أدب الله نبيه محمدا (ص) فأحسن تأديبه ، وكان يقول في دعائه : اللهم حسن خلقي وخلقي ، وجنبني منكرات الأخلاق ، وقد استجاب الله دعاءه ، وأتم له مكارم الأخلاق ، ثم أرسله كافة للناس ليتمم لهم مكارم الأخلاق. ومن الآيات التي أدب الله بها رسوله الأكرم (ص) هذه الآية ، وقد تضمنت أسسا ثلاثة في الشريعة والآداب ، وهي :
١ ـ العفو ، وهو السهل اليسير الذي لا مشقة فيه ولا عسر ، ويكون في الأفعال وفي الأخلاق ، وهو في الأموال ما زاد عن الحاجة ، وقد امر الله نبيه أن لا يشق على الناس فيما يأمرهم به ، وينهاهم عنه ، وان يأخذ زكاة أموالهم فيما زاد عن حاجاتهم ، وهذا أصل من أصول الشريعة : (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) ـ ٧٨ الحج ، وان لا يكلفهم الشاق من الأخلاق ، كأن يلزم أحدهم أن يتنازل لغريمه عن حقه ، ولا يقتص منه لنفسه.
٢ ـ الأمر بالعرف ، وهو الخير المعروف الواضح يدركه الإنسان بفطرته.
٣ ـ وأعرض عن الجاهلين ، وهم الذين لا ترجى هدايتهم بالحجة والدليل ، ولا بالموعظة والإرشاد .. وقد يكون إهمالهم والإعراض عنهم أجدى في هدايتهم.
وقال الشيخ المراغي في تفسير هذه الآية : روي عن جعفر الصادق رضي الله عنه انه قال : ليس في القرآن أجمع لمكارم الأخلاق منها.
(وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ). النبي يغضب ما في ذلك ريب .. ولكنه يغضب لله ، حتى غضبه لنفسه هو غضب لله .. وربما غضب على جهالة جاهل من الذين أمرهم الله بالإعراض عنهم ، فتحركه نفسه لمجابهته بكلمة يستحقها ، فقال له مؤدبه الأعظم جل ثناؤه : إن صادف وعرضت لك مثل هذه الحال فلا يذهبن الغضب بحلمك فاصبر واستعذ بالله ، فانه يسمع لك ويستجيب ، ويعلم ما تلاقيه من أهل السفاهة والجهالة ، ويثيبك عليه.