ولا بد من الاشارة الى ان قوله تعالى : (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ) هو مجرد فرض لمكان ان الشرطية ، تماما كقوله : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ). وبديهة ان فرض المحال ليس بمحال ، وفي المجلد الثاني صفحة ٧٥ فقرة الأنبياء والمعصية بيّنا ان لله سبحانه أن ينهى أنبياءه المعصومين عن المعصية ، لأن نهيه من الأعلى الى من هو دونه ، وليس لأحد غير الله أن يأمرهم أو ينهاهم.
(إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا). ما من انسان إلا وتنازعه اندفاعات نفسية ، بعضها عاطفي ، وبعضها عقلي ، وبعضها ديني ، وفي الأغلب ينهزم الدين والعقل أمام العاطفة ، لأنها تنبع من ذات الإنسان ، وتلازمه منذ تكوينه في بطن أمه ، والعقل متأخر عن العاطفة في الوجود ، وهو ينمو بالدرس والتجربة ، أما الدين فنزل لترويض العاطفة وكبح جماحها. فهو أضعف العوامل والانفعالات .. اللهم إلا إذا اقتنع الإنسان به اقتناعه بنفسه وكيانه ، بحيث لا يرى لنفسه وجودا سعيدا إلا بالدين والعمل بأحكامه ، وهذا النوع من المتدينين هم الذين يتغلب دينهم على ميولهم ، وهم المعنيون بقوله تعالى : (إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا). أي إذا أغراهم
الشيطان بمعصية الله ، أو وسوست لهم النفس الامارة بذلك تذكروا ما أمرهم الله به ، وما نهاهم عنه (فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ) مكائد الشيطان ووسوسة النفس ، فيحجمون عن المعصية ، ويتغلب دينهم على أهوائهم.
(وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ). المراد بالإخوان هنا الشياطين ، والضمير في إخوانهم يعود الى المشركين الذين تقدم ذكرهم ، والضمير المرفوع في يمدونهم يعود الى الشياطين ، والضمير المنصوب يعود الى المشركين ، والمراد بلا يقصرون لا يكف الشياطين عن أمداد المشركين بالإغواء والإفساد ، وملخص المعنى ان الشياطين هم اخوان المشركين لا يكفون عن غوايتهم وتضليلهم.
(وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْ لا اجْتَبَيْتَها). كان المشركون يطلبون من النبي آيات ومعجزات معينة على سبيل التعنّت ، فإذا لم يأتهم بها قالوا له : هلا تأتي بها انت من نفس؟.ألست نبيا؟. (قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي).