في فراشه. وتقدم الكلام عن ذلك عند تفسير الآية ٥٤ من آل عمران ج ٢ ص ٦٦.
(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ). قالت قريش عن القرآن : انه أساطير ، وانها لو شاءت لقالت مثله ، قالت هذا ، وهي تعلم علم اليقين ان القرآن من عند الله ، لأنه تحداها والناس أجمعين على أن يأتوا بسورة من مثله ويدعوا من يشاءون ، ولما عجزت قريش لجأت الى الافتراءات والمناورات تخفي عجزها وضلالها ، شأنها في ذلك شأن كل من عجز عن مجابهة الحق بالحجة والمنطق.
(وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ). قد تأخذ بعض الناس العزة بالإثم تعصبا لكبريائهم تماما كما يتعصبون لدينهم أو أشد ، حتى انهم ليؤثرون القتل على الخضوع للخصم وان كان محقا ، ويستسلمون للهلاك والعذاب ، ولا يتنازلون عن تعاليمهم وتقاليدهم وفي التاريخ الكثير من هؤلاء ، ذكر القرآن منهم فرعون وقوم نوح وغيرهم .. وقالت قريش حين دعاها النبي (ص) إلى الإسلام : اللهم ان كان محمد محقا في دعواه فأمطر علينا حجارة من السماء. أي انهم يفضلون الهلاك رجما بالحجارة على أن يتبعوا محمدا ، وان كان نبيا مرسلا من الله.
فأجابهم الله سبحانه بأن العذاب أمامهم ، وان الباب اليه ما زال مفتوحا ، وإنما أمهلهم بعض الوقت لسبب واحد أشار اليه بقوله : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ). أي ان الله جل ثناؤه لا يعذب أهل مكة ، ومحمد بين أظهرهم إكراما له ، وتعظيما لشأنه.
(وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ). أي وهم يؤمنون برسالة محمد (ص) بعد أن قال عز من قائل : انه لا يعذب قريشا ما دام محمد بينهم ـ قال : وأيضا لا يعذبهم إذا آمنوا ، سواء أكان محمد بينهم ، أم لم يكن ، فقوله تعالى : (وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) بمعنى قوله : (ما يَفْعَلُ اللهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ) ـ ١٤٦ النساء ، ويدل على ارادة هذا المعنى قوله بلا فاصل : (وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللهُ). وقوله مخاطبا قريشا : (فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ).