المشركين في وقعة بدر ، من تلك الأسباب ان الله سبحانه ألهم المسلمين أن يرابطوا في أقرب الجانبين من الوادي الى المدينة ، أما المشركون فقد نزلوا في الجانب الأبعد منه ، وبين الجانبين ربوة تفصل بينهما ، ويظهر من سياق الكلام ان الجانب الذي رابط فيه المسلمون كان موقعا حربيا يعينهم على أعدائهم ، لأن الله سبحانه قد منّ عليهم به ، وكان من تدبيره تعالى أن ينزل كل في موقعه ، دون أن يعلم بموقع الآخر ، إذ لو رأى المسلمون أعداءهم رأي العين لهابوهم ، ويئسوا من الظفر بهم ، وأيضا من تدبيره انه ـ جلت حكمته ـ قلل المشركين عند اللقاء في أعين المسلمين ، كل ذلك ليظهر دينه على الدين كله ولو كره المشركون ، ومن الحكمة أيضا أن تسلم العير التي مال بها أبو سفيان الى ساحل البحر ليتم اللقاء بين جند الحق وجند الباطل ، ولا ينصرف المسلمون الى العير عن النفير .. وبعد هذا التمهيد نشرع بتفسير الآيات :
(إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى). الخطاب موجه من الله للمسلمين يذكّرهم به بالموقع الذي رابطوا فيه ، وهو جانب الوادي الأقرب الى المدينة ، وبالموقع الذي اتخذه المشركون ، وهو الجانب الأبعد ، ويذكّر أيضا بانحراف العير إلى ساحل البحر الذي أشار اليه بقوله : (وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ). والغرض من هذا التذكير ان هذه الأشياء كانت لصالحهم ، كما تبين فيما بعد.
(وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ). خرج المسلمون مع النبي (ص) من المدينة طلبا للعير واحمالها غير قاصدين القتال ، كما قدمنا ، ولكن الله سبحانه حوّل هذه الرحلة من طلب المال إلى الجهاد في سبيله ، وكان في ذلك خير كثير ، ولو خرج المسلمون منذ البداية إلى القتال متواعدين عليه مع المشركين ، ثم علموا بكثرتهم ، لو كان ذلك لعدل بعض المسلمين عن القتال خوفا ورهبة ، واختلفوا مع الذين يريدون القتال ، ولما تمّ شيء من نصر أولياء الله على أعدائه.
(وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً). أي ولكن الله دبر هذا اللقاء على غير ميعاد ليقع ما أراد من إعزاز الدين ، وإذلال المشركين (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ) المراد بمن هلك من كفر ، وبمن حي من آمن ، والمعنى ان الله نصر أولياءه ، وقهر أعداءه يوم بدر ليكون ذلك