حجة قاطعة على من يكفر ، وحجة ظاهرة لمن يؤمن.
وتسأل : إن ظاهر الآية يدل على ان من صارع الحق يصرع ويغلب ، مع ان المبطل كثيرا ما يتغلب على المحق ، كما نشاهد ونرى؟.
الجواب : ان الله سبحانه قد وعد المسلمين بالنصر على لسان نبيه ـ قبل المعركة ـ مع قلتهم وضعفهم عدة وعددا ، وذلك حيث يقول في الآية ٧ : (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ) وقد وفى لهم بالوعد ، وتحققت المعجزة بذلك لمحمد (ص) الذي أخبرهم بالنصر حين كانت جميع الدلائل تشير إلى العكس .. هذا ، إلى جانب إمدادهم بالملائكة كما في الآية ٩ ، وإلى رمية النبي (ص) المشركين بقبضة من التراب أو الحصى كما في الآية ١٧ ، كل هذه وغيرها كانت معجزات باهرات ظهرت على يد محمد يوم بدر ، وهي المراد بالبينة والحجة على من كفر ، والحجة لمن آمن ، وليس المراد مجرد النصر .. وبكلمة ان المقصود بالبينة في الآية الإخبار بالنصر قبل وقوعه مع ما تم من المقدمات وخوارق العادات ، وليس المراد النصر بالذات (وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) لا يخفى عليه شيء من الأقوال والأفعال وما يختلج في الصدور.
(إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ). هذه معجزة أخرى لرسول الله (ص) ، وهي ان الله سبحانه أراه في المنام ان المشركين أقلاء عددا ضعفاء عدة ، وأخبر النبي الصحابة بما رأى ، فاستبشروا وتشجعوا ، ولو أراه الله الأعداء أقوياء لوهنت عزيمة المسلمين ، وضعفوا عن القتال ، واختلفوا فيه ، ولأعقب ذلك الفشل وذهاب الريح (وَلكِنَّ اللهَ سَلَّمَ) من هذه المشكلة ، ولطف بعباده المؤمنين (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ). أي ان الله يعلم ان قلوب المسلمين تشعر بالخوف من القتال إذا أيقنت بكثرة العدو ، فأبعد الله هذا الشعور عن قلوبهم بما أراه للرسول الأعظم في منامه من قلة العدو وضعفه.
(وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً) ليشد من عزمكم أيها المسلمون ، وتقاتلوا أعداءكم بجرأة وثبات (وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ) كي لا يبالغوا في الاستعداد لقتالكم والحذر منكم .. وهكذا كان ، حتى قال أبو جهل : إنما أصحاب