المعنى :
(ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ). اتفق المفسرون على ان هذه الآية نزلت في أسرى بدر ، وظاهر السياق يدل على ذلك ، واختلفوا في تفسيرها على أقوال ، ولإيضاح المراد منها نورده بصيغة السؤال والجواب :
إذا قامت الحرب بين المسلمين وعبدة الأوثان ، وأمكن الله المسلم المقاتل من كافر ينازله فهل يجب على المسلم قتل هذا الكافر ، أو يجوز له أسره ، وإذا أسره بناء على جواز الأسر فهل يخير النبيّ بين قتل الأسير ، وبين أن يطلقه بفدية أو بدونها؟.
ولا بد في الجواب من التفصيل بين حالين : الأولى أن تقع المعركة بعد أن يعظم شأن الدين في الأرض ، وتتم القوة له ولأهله بحيث لا يضرهم كيد العدو ومكره لمكان القوة الرادعة ، وفي مثل هذه الحال يخير المسلم المقاتل بين القتل والأسر ، فإذا أسر كان الخيار للنبي بين قتل الأسير وإطلاقه بفداء أو غير فداء ، قال تعالى : (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً) ـ ٤ محمد. والسر في ذلك واضح ، وهو وجود القوة الرادعة.
الحال الثانية أن تقع المعركة قبل أن يتمكن الدين في الأرض ، وتتم له القوة والغلبة ، فإذا نمكن المسلم المقاتل في مثل هذه الحال من الكافر المحارب فعليه أن يقتله ولا يأسره ، والسر إلقاء الرعب في قلب كل من يحاول إعلان الحرب على المؤمنين ، ويدل على هذا قوله تعالى : (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ) أي لا أسر من الكفار ، حتى تتم للدين القوة الرادعة التي يذل بها أهل الكفر والطغيان.
(تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا) هذا الخطاب موجه بصفة خاصة لمن أسر أسيرا من المشركين بقصد الغنيمة وأخذ الفدية غير مكترث بما يترتب على حياته من الفساد في الأرض (وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) يريد لعباده ثواب الآخرة لأنه خير وأبقى من