عرض الدنيا (وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) يهب العزة للمؤمنين وإن لم يكن لهم أسرى ، وهو حكيم في تدبيره وأمره ونهيه.
(لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ). لقد سبق في قضاء الله أن ينصر دينه ونبيه بالفئة القليلة التي حاربت معه ببدر ، وان ينكل بالكثرة الكافرين قتلا وأسرا ونهبا بأيدي المؤمنين ، ولو لا قضاؤه هذا لعذّب المؤمنين الذين أسروا أعداء الله طمعا بالفدية ، لأنه تعالى يريد أن يكون الجهاد والعمل خالصا لوجهه الكريم ، وفي الحديث : من كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر اليه وتجدر الإشارة إلى انه تعالى لم يبين نوع العذاب الذي كان سيوقعه بالآسرين من الصحابة لو لا قضاؤه السابق : هل هو العذاب الدنيوي أو الأخروي.
وتسأل : إذا كان الأسر محرما قبل أن يظهر الله دينه على الدين كله فكيف أجاز رسول الله (ص) للصحابة أن يأسروا يوم بدر ، ويقبل هو الفدية من الأسرى قبل النصر الشامل الكامل؟ فان المفروض ان معركة بدر كانت الأولى ، وأعقبتها معارك استمرت إلى عام الفتح والنصر.
وحار المفسرون وغيرهم في الجواب عن هذا السؤال أو الاشكال ، وتضاربت فيه أقوالهم ، واستسلم بعضهم قائلا : إن النبي غير معصوم عن الخطأ ، حاشا الله ورسوله الذي لا ينطق عن الهوى .. والذي نرجحه ان الله سبحانه قد استثنى من تحريم الأسر كل من أطلقه النبي (ص) من أسرى بدر ، وقد أسلم الكثير منهم وحسن فيه بلاؤهم ، بل كان فيهم من أخرج كرها إلى حرب المسلمين ، قال ابن الأثير في المجلد الثاني من تاريخه بعنوان ذكر غزوة بدر الكبرى :
قال رسول الله (ص) لأصحابه يومئذ : قد عرفت رجالا من بني هاشم وغيرهم أخرجوا كرها ، فمن لقي منكم أحدا من بني هاشم فلا يقتله .. وكان في الأسرى سهيل بن عمرو ، فقال عمر بن الخطاب : دعني اقتله يا رسول الله ، فلا يقوم عليك خطيبا ، فقال النبي (ص) دعه ، فسيقوم مقاما تحمده عليه .. ومن جملة أسرى بدر أبو العاص بن الربيع زوج بنت رسول الله (ص) ، وبعثت