ولا نقول ما يسخط الرب. وبعد أن ذكر سبحانه المنافقين أشار إلى قوم من اليهود بقوله :
(وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ). عاد الحديث عن اليهود ، وفي هذه الآيات أخبار اعتمدها المفسرون ، وتتلخص بأن التوراة كانت تنص على وجوب رجم الزاني .. وصادف في عهد الرسول (ص) ان زنى رجل وامرأة من أشرافهم ، فكره قوم من اليهود رجمهما ، وأرسلوا وفدا منهم إلى رسول الله ليسألوه عن حكم الزنا ، وقالوا للوفد : ان افتى بغير الرجم فاقبلوا ، وان افتى بالرجم فارفضوا .. فجاءوا الرسول ، فأفتاهم بالرجم ، فرفضوا زاعمين ان التوراة ليس فيها رجم ، ولما حاجّ الرسول بعض علمائهم اعترف بأن حكم التوراة هو الرجم ، تماما كما أفتى الرسول ، وان اليهود خصوا حكم الرجم بالضعفاء ، وجعلوا الجلد مكان الرجم إذا زنى الشرفاء.
فالمراد بقوله : (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ) ان اليهود يقبلون الكذب من المنافقين ، ومن بعضهم البعض. والمراد من القوم في قوله : (لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ) أولئك الذين أرسلوا الوفد ليسألوا النبي (ص) ولم يأتوه بأنفسهم.
(يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ). حيث وضعوا الجلد مكان الرجم. وتقدمت هذه الجملة بالمعنى في سورة البقرة الآية ٧٥ : (يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ). وأيضا تقدمت بحروفها في الآية ٤٥ من سورة النساء.
(يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا). أي قال الذين أرسلوا الوفد للوفد : ان أفتى محمد (ص) بغير الرجم فاقبلوا ، وإن أفتى بالرجم فارفضوا.
(وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئاً). اختلف المفسرون في المراد من الفتنة .. قال الأشاعرة ، أي السنة : المراد من الفتنة الكفر ، ويكون المعنى ان أي عبد جعله الله كافرا وضالا فلن يقدر أحد أن يدفع عنه الكفر والضلال .. وإنما ذهب الأشاعرة إلى هذا التفسير ، وفي مقدمتهم الرازي لأنهم يجيزون على الله أن يريد الكفر من عبده ، وأن يفعله فيه ، ثم يعذبه عليه.
وقال الشيعة والمعتزلة : المراد من الفتنة في هذه الآية العذاب ، ويكون المعنى