بمظهره وريائه ، وأوشك الرسول أن يخدع به باعتباره بشرا فإن الله سبحانه يرعاه بعنايته ، ويعلمه بالواقع قبل أن تبدر منه أية بادرة يريدها منه المخادع المحتال : (وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً) ـ ٧٤ الاسراء».
وتسأل : ما دام الأمر كذلك ، فلما ذا خاطب الله نبيه المعصوم بهذا الخطاب؟ الجواب : أولا بيّنا فيما تقدم ان الخطاب إذا صدر من الأعلى لا يلحظ فيه حال المخاطب ، مهما كانت منزلته ، وإنما يعتبر ذلك إذا صدر الخطاب من المساوي أو الأدنى.
ثانيا : إن الله سبحانه يعلم ان علماء السوء من أمة محمد (ص) سيبررون الانحراف عن حكمه ، بمعاذير شيطانية ، فخاطب نبيه الأكرم بهذا الخطاب تحذيرا لهم من التلاعب بالدين مسايرة لأهواء الحاكمين والمترفين.
(لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً). المضاف اليه محذوف ، أي لكل أمة. ومنكم خطاب لجميع الناس ، أو للأمم الثلاث : اليهود والنصارى والمسلمين ، وشرعة الشريعة ، وهي الأحكام العملية التي يمتثلها الإنسان طاعة لله ، وابتغاء مرضاته وثوابه ، وتجدر الإشارة إلى أن كلمة الشريعة أخص من كلمة الدين ، لأن الدين يشمل الشريعة ، وأصول العقيدة. والمنهاج السبيل الواضح ، أي أن الله جعل لكل أمة شريعة واضحة لا التباس فيها ولا غموض.
وهذه الآية نص في أن شريعة الله لم تكن واحدة لكل الناس في كل العصور وأنها كانت فيما مضى مؤقتة بأمد محدود ، وإن الأديان تتفق وتتحد في أصول العقيدة فقط ، لا في الشريعة.
وتسأل : إذا كان الأمر كذلك ، فلما ذا اختصت الشريعة الإسلامية بالدوام والاستمرار من بين الشرائع؟
ولن يعرف الجواب عن هذا السؤال إلا من درس الشريعة الإسلامية ، حيث يرى أنها تقوم على قواعد ثابتة محال أن تتغير بتغير الأزمان والأحوال ، لأنها تلائم الإنسان ، من حيث هو إنسان ، لا من حيث انه قديم أو حديث ، من ذلك على سبيل المثال : لا يكلف الله نفسا إلا وسعها .. كل إنسان بريء ، حتى تثبت إدانته .. الصلح خير .. إقرار العقلاء على أنفسهم جائز .. الناس عند