شروطهم .. الحدود تدرأ بالشبهات .. لا ضرر ولا ضرار .. الضرورات تبيح المحظورات .. اليقين لا ينقضه إلا يقين مثله .. درأ المفسدة أولى من جلب المصلحة .. الضرر لا يزال بضرر مثله .. الغائب على حجته حتى يحضر ، وما إلى ذلك مما أفرد له الفقهاء المجلدات .. إن هذه المبادئ محال أن تتغير إلا إذا تغيرت طبيعة الإنسان.
(وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً). ميّز الله سبحانه الإنسان عن غيره من المخلوقات بأن جعل فيه استعدادا للجهل والعلم ، والتخلف والتقدم ، ولعمل الخير والشر ، ثم نهاه عن هذا ، وأمره بذاك ، وكان من نتيجة هذا الاستعداد والأمر والنهي أن تفاوت الناس في استغلال هذا الاستعداد ، وفي طاعة الله ومعصيته ، ولو شاء الله أن لا يمنح الإنسان هذه الموهبة لفعل ، ولو فعل لكان الناس جميعا في مستوى واحد ، تماما كالحيوانات والطيور والحشرات ، يتصرفون ولا يعرفون خيرا ولا شرا ، ولا نجاحا ولا فشلا.
(وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ). أي أن الله منحنا هذه الموهبة ، وأمرنا ونهانا ليعاملنا معاملة السيد المختبر لعبيده أيهم أحسن عملا ، مع العلم بأنه يعلم السرائر والضمائر ، ولكنه لا يثيب إلا بالعمل ، ولا يعاقب إلا بعد الانذار والاعذار.
(فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ). أي إذا كان الله قد منح الإنسان هذه الموهبة ، وشرّع الشرائع للأمم لتظهر الأفعال التي يستحق بها الإنسان الثواب فعلينا جميعا أن نسارع إلى عمل الخيرات لأنها المقصود الأول من الشرائع ، ومن يتخذ من اختلاف الشرائع وسيلة للشحناء والبغضاء فإن الله سبحانه يحاسبه غدا ، ويجازيه بما يستحق.
(وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ). هذه الآية تكرار للآية التي قبلها بلا فاصل ، وقال بعض المفسرين : تلك نزلت في تحاكم اليهود في الزنا ، وهذه في تحاكمهم في القتل ، ولا دليل على هذا التوجيه ، ولا على غيره مما في كتب التفسير ، وقد بينا في ج ١ ص ٩٦ ان القرآن الكريم يستعمل التكرار لأنه عامل قوي في تكوين الآراء وانتشارها.