هذا ، إلى أن ضمير أهوائهم يعود إلى اليهود ، ومن طريقة القرآن أن يكرر ويؤكد ما يتصل بهم أكثر من تأكيده وتكراره لأي شيء آخر ، وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على أن اليهود شر الأمم على الإطلاق ، وبذلك شهد تاريخهم القديم والحديث ، وما من أحد رآهم أهلا لغير الشر إلا أهل الشر ، وقد ظهرت هذه الحقيقة للرأي العام بأجلى معانيها بعد ٥ حزيران من سنة ١٩٦٧.
(فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ). أي إن أعرضوا عن حكم الله فسيعود عليهم هذا الاعراض بالخزي والوبال ، وتسأل : لما ذا قال ببعض ذنوبهم ، ولم يقل بذنوبهم ، وهل معنى هذا ان الله يعذبهم على بعض الذنوب ، ويعفو عن بعض؟
الجواب : ان قوله تعالى : (بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ) اشارة إلى إعراضهم عن الحكم الذي حكم به رسول الله (ص) ، والمعنى : لا يرعك أيها الرسول إعراض اليهود عن حكمك ، فإن الله سيعاقبهم على هذا الاعراض والتمرد.
(وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ). الفاسق من عصى الله في حكم واحد من أحكامه .. وعلى هذا فأكثر الناس ، بل كل الناس ، فاسقون إلا من ندر ، ولكن كلمة كثير تستعمل في الأكثرية ، ولا عكس. (أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ). وكل حكم يخالف حكم الله فهو حكم الجاهلية ، سواء أكان في عصر الجاهلية ، أم بعده.
(وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ). وليس من شك ان كل حكم فيه صلاح للناس بجهة من الجهات فهو حكم الله ، سواء أورد فيه نص خاص من الكتاب والسنة ، أم لم يرد ، وكل ما فيه ضرر للناس بجهة من الجهات فمحال أن يرضى الله به ، حتى الحق الإلهي يسقط إذا تولد منه الضرر .. وكفى دليلا على أن كل حكم ينتفع الناس به فهو حكم الله ، كفى دليلا على هذه الحقيقة الآية ٢٣ من سورة الأنفال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ) لأن معناها ان كل دعوة إلى الحياة فهي دعوة لله ولرسول الله (ص).
واختلف المفسرون في معنى اللام في قوله تعالى : (لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) فقال