جرى في ميادين عصيانه |
|
مسيئا ودان بكفر النعم |
فيا رب صفحك عما جنى |
|
ويا رب عفوك عما اجترم |
١٨٠ ـ ومن الراحلين إلى المشرق من الأندلس الأديب أبو عامر بن عيشون (١).
قال الفتح : رجل حلّ المشيّدات والبلاقع (٢) ، وحكى النسرين الطائر والواقع ، واستدرّ خلفي البؤس والنعيم ، وقعد مقعد البائس والزعيم ، فآونة في سماط ، وأخرى بين درانك وأنماط ، ويوما في ناووس ، وأخرى في مجلس مأنوس ، رحل إلى المشرق فلم يحمد رحلته ، ولم يعلق بأمل نحلته ، فارتد على عقبه ، وردّ من حبالة الفوت إلى منتظره ومرتقبه ، ومع هذا فله تحقق بالأدب ، وتدفق طبع إذا مدح أو نسب ، وقد أثبتّ له ما تعلم حقيقة نفاذه ، وترى سرعة وجده في طريق الإحسان وإغذاذه (٣).
ثم قال : وأخبرني أنه دخل مصر وهو سار في ظلم البوس ، عار من كل لبوس ، قد خلا من النقد كيسه ، وتخلى عنه إلا تعذيره وتنكيسه ، فنزل بأحد شوارعها لا يفترش إلا نكده ، ولا يتوسّد إلا عضده ، وبات بليلة ابن عبدل (٤) ، تهب عليه صرصر لا ينفح منها عنبر ولا مندل ، فلما كان من السحر دخل عليه ابن الطوفان (٥) فأشفق لحاله ، وفرط إمحاله ، وأعلمه أن الأفضل ابن أمير الجيوش استدعاه ، ولو ارتاد جوده بقطعة يغنيها له لأخصب مرعاه ، فصنع له في حينه : [بحر البسيط]
قل للملوك وإن كانت لهم همم |
|
تأوي إليها الأماني غير متّئد |
إذا وصلت بشاهنشاه لي سببا |
|
فلن أبالي بمن منهم نفضت يدي |
من واجه الشمس لم يعدل بها قمرا |
|
يعشو إلى ضوئه لو كان ذا رمد |
فلما كان من الغد وافاه فدفع إليه خمسين مثقالا مصرية وكسوة وأعلمه أنه غناه ، وجود الإظهار للفظه ومعناه ، وكرره ، حتى أثبته في سمعه وقرره ، فسأله عن قائله فأعلمه بقلته ،
__________________
(١) انظر قلائد العقيان ص ٢٨٨.
(٢) المشيدات : الأبنية. والبلاقع : جمع بلقع وهو الأرض القفراء الخالية.
(٣) الوخد والإغذاذ : ضربان من السير السريع.
(٤) ابن عبدل : هو الحكم بن عبدل الأسدي ، أحد شعراء بني أمية. وقد أشار إلى قوله :
قد بات همي قرنا أكابده |
|
كأنما مضجعي على حجر |
(٥) في ب : «ابن طوفان».