وجعل يوعده (١) ، ورجع له إلى ما كان عليه في الظاهر.
وكان صاحبه الثاني في المؤازرة والقيام بالدولة صهره عبد الله بن خالد ، وكان قد ضمن لأبي الصباح رئيس اليمانية عن الداخل أشياء لم يف بها الداخل ، وقتل أبا الصباح ، فانعزل عبد الله وأقسم لا يشتغل بشغل سلطان حياته ، فمات منفردا عن السلطان.
وكان ثالثهما في النصرة والاختصاص تمّام بن علقمة ، وهو الذي عبر البحر إليه وبشّره باستحكام أمره ، فقتل هشام بن عبد الرحمن ولد تمام المذكور ، وكذلك فعل بولد أبي عثمان المتقدّم الذكر. قال ابن حيان : فذاقا من ثكل ولديهما على يدي أعزّ الناس عليهما ما أراهما أنّ أحدا لا يقدر أن ينظر في تحسين عاقبته.
وإذا تتبّع الأمر في الذين يقومون في قيام دولة كان مآلهم مع من يظهرونه هذا المآل وأصعب.
وذكر أن أول حجّاب الداخل تمام بن علقمة مولاه ذو العمر الطويل ، ثم يوسف بن بخت الفارسي ، مولى عبد الملك بن مروان ، وله بقرطبة عقب نابه (٢) ، ثم عبد الكريم بن مهران من ولد الحارث بن أبي شمر الغساني ، ثم عبد الرحمن بن مغيث بن الحارث بن حويرث بن جبلة بن الأيهم الغساني ، وأبوه مغيث فاتح قرطبة ، الذي تقدمت ترجمته ، ثم منصور الخصيّ ، وكان أول خصيّ استحجبه (٣) بنو مروان بالأندلس ، ولم يزل حاجبه إلى أن توفي الداخل.
ولم يكن للداخل من يطلق عليه سمة وزير (٤) ، لكنه عيّن أشياخا للمشاورة والمؤازرة ، أولهم أبو عثمان المتقدّم الذكر ، وعبد الله بن خالد السابق الذكر ، وأبو عبدة صاحب إشبيلية ، وشهيد بن عيسى بن شهيد مولى معاوية بن مروان بن الحكم ، وكان من سبي البرابر ، وقيل : إنه رومي ، وبنو شهيد الفضلاء من نسله ، وعبد السلام بن بسيل الرومي مولى عبد الله بن معاوية ، ولولده نباهة عظيمة في الوزارة وغيرها ، وثعلبة بن عبيد بن النظام الجذمي صاحب سرقسطة لعبد الرحمن ، وعاصم بن مسلم الثقفي من كبار شيعته وأول من خاض النهر وهو عريان يوم الوقعة بقرطبة ، ولعقبه في الدولة نباهة (٥).
__________________
(١) يوعده : يتهدده.
(٢) له عقب نابه : أي أبناء ذوو مكانة وصيت ونباهة وارتفاع شأن.
(٣) استحجبه : جعله حاجبا.
(٤) سمة وزير : أي من يسمى بالوزير. وفي ب : «من ينطلق عليه سمة وزير ..».
(٥) النباهة : ارتفاع الشأن.