كم فن معنى بها يذكرني |
|
شجوي لشدو الحمام في فنن |
فمن نسيب مع النسيم جرى |
|
لطفا فأزرى بالجوهر الثمن |
وحسن سجع كالزهر في أفق |
|
والزهر في ناعم من الغصن |
له معان أعيت مداركها |
|
كل معان بنيلهن عني (١) |
لا زال راق للمجد راقمها |
|
ذا سنن حاز أحسن السنن |
فصول ، هي للحسن أصول ، وشمول ، لها على كل القلوب شمول ، ليس لقدامة على التقدم إليها حصول ، ولا لسحبان لأن يسحب ذيلها وصول ، ولا انتهى قسّ الإيادي (٢) ، إلى هذه الأيادي ، ولا ظفر بديع الزمان ، بهذه البدائع الحسان ، لقد قصر فيها حبيب (٣) عن ابنه ، وحار بين لطافة فضله وفضل ذهنه ، نزهت في طرف خمائلها ، ونبهت بلطف شمائلها ، تالله إنها لسحر حلال ، وخلال ما مثلها خلال ، كلام كله كمال ، ومجال لا يرى فيه إلا جمال ، راقم بردها ، وناظم عقدها ، في كل فصل ، جاء بكمال فضل ، وفي كل معنى ، عمر بالبراعة مغنى ، أعرب فأغرب ، وأوجر فأعجز ، وأطال فأطاب (٤) ، وأجاد حين أجاب ، فما أنفس فرائده ، وأنفع فوائده ، وأفصح مقاله ، وأفسح مجاله ، وأطوع للنظم طباعه ، وأطول في النثر باعه ، أزاهر نبتت في كتاب ، وجواهر تكوّنت من ألفاظ عذاب ، ومواهب لا تدرك بيد اكتساب ، فسبحان من يرزق من يشاء بغير حساب ، فصول أحلى في الأفواه من السهد (٥) ، وأشهى إلى النواظر من النوم بعد السّهد ، سبك أدبها (٦) في قالب النكت الحسان ، وذهب بمحامد عبد الحميد ومحاسن حسّان ، فما أحقها أن تسمى فصول الربيع ، وأصول البديع ، لا زال حسنها يملأ الأوراق بما راق ، ويزين الآفاق بما فاق ، ولا برحت حدائق براعته نزهة للأحداق ، وحقائق بلاغته في جيد الإجادة بمنزلة الأطواق ، بمن الله تعالى وكرمه ، انتهى.
وحيث جرى ذكر كتاب «نسيم الصبا» فلا بأس أن نذكر تقاريظ العلماء له ، فمن ذلك قول القاضي شرف الدين بن ريان : وقفت على هذا الكتاب الذي أبدع فيه مؤلفه ، ونظم فيه الجواهر النفيسة مصنفه ، وأينعت حدائق أدبه فدنا ثمرها لمن يقطفه ، وعرفت مقدار ما فيه من
__________________
(١) معان : جمع معنى. ومعان : اسم فاعل من عانى يعاني.
(٢) في ب : «لهذه الأيادي».
(٣) حبيب : هو أبو تمام الطائي. وابنه هنا ابن حبيب الحلبي صاحب كتاب نسيم الصبا الذي يقرضه الشاعر.
(٤) أطاب : جاء بما هو طيب.
(٥) السّهد : الأرق.
(٦) في ب ، ه : «سكب أدبها».