قال ابن بشكوال : وتعرف غزوته هذه بغزوة البلاط ، وقد تقدّم مثل هذا في غزوة السّمح ، فكانت ولايته سنة وثمانية أشهر ، وفي رواية سنتين وثمانية أشهر ، وقيل غير ذلك ، وكان سرير سلطانه حضرة قرطبة.
وولي الأندلس بعده عنبسة بن سحيم الكلبي ، وذكر ابن حيان أنه قدم على الأندلس واليا من قبل يزيد بن أبي مسلم ، كاتب الحجاج ، حين كان صاحب إفريقية ، وكان قدومه الأندلس في صفر سنة ١٠٣ ، فتأخّر بقدومه عبد الرحمن المتقدّم الذكر. قال ابن بشكوال : فاستقامت به الأندلس ، وضبط أمرها ، وغزا بنفسه إلى أرض الإفرنجة وتوفي في شعبان سنة ١٠٧ ، فكانت ولايته أربعة أعوام وأربعة أشهر ، وقيل : ثمانية أشهر. وذكر ابن حيان أنه في أيامه قام بجليقية علج خبيث يدعى بلاي ، فعاب على العلوج طول الفرار ، وأذكى (١) قرائحهم حتى سما بهم إلى طلب الثأر ، ودافع عن أرضه ، ومن وقته أخذ نصارى الأندلس في مدافعة المسلمين عمّا بقي بأيديهم من أرضهم والحماية عن حريمهم ، وقد كانوا لا يطمعون في ذلك ، وقيل : إنه لم يبق بأرض جليقية قرية فما فوقها لم تفتح إلّا الصخرة التي لاذ بها هذا العلج ومات أصحابه جوعا إلى أن بقي في مقدار ثلاثين رجلا ونحو عشر نسوة ، وما لهم عيش إلّا من عسل النحل في جباح معهم في خروق الصخرة ، وما زالوا ممتنعين بوعرها إلى أن أعيا المسلمين أمرهم ، واحتقروهم ، وقالوا : ثلاثون علجا ما عسى أن يجيء منهم؟ فبلغ أمرهم بعد ذلك في القوّة والكثرة والاستيلاء ما لا خفاء به.
وملك بعده أذفونش جدّ عظماء الملوك المشهورين بهذه السّمة (٢).
قال ابن سعيد : فآل احتقار تلك الصخرة ومن احتوت عليه إلى أن ملك عقب من كان فيها المدن العظيمة ، حتى إنّ حضرة قرطبة في يدهم الآن ، جبرها الله تعالى! وهي كانت سرير السلطنة لعنبسة. ا ه.
قال ابن حيان والحجاري : إنه لمّا استشهد عنبسة قدّم أهل الأندلس عليهم عذرة (٣) بن عبد الله الفهري. ولم يعدّه ابن بشكوال في سلاطين الأندلس ، بل قال : ثم تتابعت ولاة الأندلس مرسلين من قبل صاحب إفريقية : أولهم يحيى بن سلمة ، وذكر الحجاري أن عذرة
__________________
(١) أذكى قرائحهم : أججها.
(٢) السمة : في الأصل العلاقة. وهنا الاسم الذي كان ملوكهم يتسمون به كما يقال مثلا لملوك الفرس : كسرى ، ولملوك الروم : قيصر ، ولملوك مصر : فرعون ، وهكذا.
(٣) كذا في أ ، ب ، وفي ه «عزرة» محرفا.