سئل إعارة شيء ، فبادر إليه ، ثم قال : عندي في قوله تعالى : (وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ (٧)) [الماعون : ٧] هو كل شيء.
واستفدنا من هذا الشيخ فائدة جليلة ، وهي معاينة قدر مدّ النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو عندهم متوارث ، وقد أخبر عن ذلك أبو محمد بن حزم في كتابه «المحلى» وعايرت بذلك المدّ المدّ الذي لنا بدمشق حينئذ ، وهو الكيل الكبير ، فوجدت مدّنا يسع صاعين إلا يسيرا ، ووجدته ممسوحا يسع صاعا ونصفا وشيئا فيكون مدان ممسوحان ثلاثة آصع (١) زائدة ، وقرأت في كتاب «المحلى» لابن حزم قال أبو محمد : وخرط لي مدّ على تحقيق المد المتوارث عند آل عبد الله بن علي الباجي ، وهو عند أكثرهم لا يفارق داره ، أخرجه إليّ ثقتي الذي كلفته ذلك علي بن عبد الله بن أحمد بن عبد الله بن علي المذكور ، وذكر أنه مدّ أبيه ، وأن جده أخذه وخرطه (٢) على مد أحمد بن خالد ، وأخبره أحمد بن خالد أنه خرطه على مد يحيى بن يحيى ، على مد مالك ، قال أبو محمد : ولا شك (٣) أن أحمد بن خالد صححه أيضا على مد محمد بن وضاح الذي صححه ابن وضاح بالمدينة النبوية ، على صاحبها أفضل الصلاة والسلام! قال أبو محمد : ثم كلته بالقمح الطيب ، ثم وزنته فوجدته رطلا ونصف رطل بالفلفلي لا يزيد حبة ، وكلته بالشعير إلا أنه لم يكن بالطيب فوجدته رطلا واحدا ونصف أوقية ، وسألت عن الرطل الفلفلي ، فقيل لي : هو ست عشرة أوقية كل أوقية عشرة دراهم ، وفي تقدير ابن حزم نظر.
وتوفي هذا الشيخ بالقاهرة سنة خمس وثلاثين وستمائة بعد رجوعه من الحج ، رحمه الله تعالى! انتهى كلام أبي شامة ، وبعضه بالمعنى.
٢٠٧ ـ ومنهم أبو العباس أحمد بن محمد ، الواعظ ، الإشبيلي ، ثم المصري.
فاضل شرح الصدور بلفظه ، ومتكلم أحيا القلوب بوعظه ، أحواله مشهورة ، ومجالسه بالذكر معمورة ، وله معرفة بالأدب ، وخبرة بالشعر والخطب ، وكلام وجهه حسن ، ونظم يمتاز به على كثير من أرباب اللّسن ، قاله ابن حبيب الحلبي ، قال : وهو القائل : [بحر البسيط]
من أنت محبوبه من ذا يعيّره |
|
ومن صفوت له من ذا يكدره |
__________________
(١) الصاع مكيال ، ويجمع على آصع ، وأصوع ، وصوع ، وصيعان ، وصوعان.
(٢) في ه : «خرجه» وهو لا شيء.
(٣) في ب ، ه : «ولا أشك».